أثارت دعوة محافظ محافظة عدن اليمنية، عيدروس الزبيدي، إلى تشكيل “كيان سياسي جنوبي” ردود فعل وتساؤلات في الأوساط اليمنية عما وراء هذه الدعوة، وما إذا كان الجنوب اليمني سيتجه إلى التأطير السياسي بعد أن تخلّص من سيطرة مراكز القوى التقليدية التي يصنفونها بـ”الشمالية”، في حين باتت عدن، وأغلب المحافظات الجنوبية والشرقية تحت سيطرة سلطات محلية، يميل بعضها إلى الانفصال، أو دولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي.
وكان محافظ عدن قد دعا في تصريحات خلال مؤتمر صحافي عقده في عدن، يوم السبت، إلى “سرعة تشكيل كيان سياسي نداً للتيارات السياسية في شمال البلاد”. وأضاف الزبيدي أن “الفرصة سانحة ليعبّر الجنوبيون عن خياراتهم السياسية وتطلّعاتهم وأن يكونوا طرفاً في المعادلة السياسية في البلاد، بعد ما حققته المقاومة من انتصارات”. كما دعا الرئيس عبدربه منصور هادي ودول التحالف إلى “دعم توجّهات الجنوبيين في إعلان كيانهم السياسي في المحافظات المحررة، بما يعبّر عن تطلعاتهم ويمثلهم في الحكومة وفي أي مفاوضات سياسية مستقبلية”.
وأوضح الزبيدي أن “من شأن الكيان الجنوبي الجامع، أن يقوم بالتصدي للتمدد الحوثي وميليشيا الحوثي الشيعية”، التي اعتبر أنها “تقوم بتدمير الأخضر واليابس على مستوى الجزيرة العربية”. وأشار إلى أن “من حق هذا الكيان إذا ما أُنشئ، أن يكون له صوت في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة أسوة بكيان الحوثيين”.
وتابع الزبيدي قائلاً “نحن أبناء المناطق الجنوبية، جاهزون للدفاع عن الدين والأرض والحضارة التي تربينا عليها دينياً وأخلاقياً وسنياً. طبعاً ومن دون حياء أو استحياء، سنكون فاعلين في هذا الكيان”، خاتماً “ندعو كافة التيارات السياسية للتحضير لهذا الكيان”. كما أشاد الزبيدي بدور الإمارات وبدعمها المناطق الجنوبية للنهوض بالعديد من المجالات الخدمية بعد أن تعرضت لدمار واسع. وتُعرف السلطات المحلية التي نشأت في عدن بعد تحريرها من الانقلابيين العام الماضي، بأنها قريبة من أبوظبي وتعكس توجهاتها، وسبق أن قامت قوات ما يعرف بـ”الحزام الأمني”، التي تأسست بدعم إماراتي، بحملات لترحيل مواطنين وعمال متحدرين من المحافظات الشمالية كانوا يقيمون في عدن.
وأثارت هذه التصريحات جدلاً في الأوساط اليمنية، بين مرحّب وبين من أثار حولها الشبهات أو قلّل من أهميتها، وأغلب المواقف المرحبة، تمحورت في نطاق محدود بالأوساط الشعبية والفعاليات المحسوبة على “الحراك الجنوبي”. وفي هذا الإطار، أعلن “المجلس الأعلى للجاليات الجنوبية في الولايات المتحدة”، دعمه وتأييده “لهذه الدعوة”. وشدّد المجلس على الإسراع بتنفيذها، مؤيداً “إنشاء مكون سياسي في الجنوب”، كما يدعو “كافة القوى والشخصيات الوطنية إلى تحمّل المسؤولية والعمل بحرص وحب للجنوب، وبتجرد كامل والنظر بعين المصلحة العامة للشعب والقضية”.
في المقابل، واجهت دعوة المحافظ موجة من الانتقادات، التي اعتبرتها خطوة “انفصالية” تصب في خدمة الانقلابيين، وتضعف من موقف الحكومة الشرعية، فيما اعتبرها البعض مماثلة لـ”المجلس السياسي” الذي أسسه الحوثيون وحلفاؤهم في صنعاء. ورأى معارضون لها أنها “مشبوهة” وتثير تساؤلات عن الجهة التي تدفع نحو مثل هذه الدعوات، بين من اتهم إيران، ومن وجه اتهامات مباشرة لدولة الإمارات، التي تعتبر الطرف الإقليمي النافذ بصورة مباشرة في الجنوب منذ تحريره من الانقلابيين، قبل أكثر من عام.
وفي إطار الأصوات المنتقدة للدعوة، اعتبر الصحافي والمحلل السياسي، عبدالرقيب الهدياني، في حديث لـ”العربي الجديد” أنها “خطوة للاستهلاك الإعلامي ولا معنى لها وولدت ميتة، لأنها لم تأت بإعداد. وأعتقد بأنها محاولة من المحافظ للهروب إلى الأمام وإلهاء الشارع العدني الذي يطالبه بتحسين الخدمات المتردية”.
وأضاف الهدياني أن “الدعوة لتشكيل مجلس سياسي عبر الشرعية والتحالف مادة إعلامية فقط، أراد المحافظ الزبيدي التنفيس عن الضغط الكبير الذي يعانيه من مواطنيه في عدن، وهو أراد أن يجرهم من مربع المطالبة بالخدمات إلى الانشغال بجدل سياسي اسمه مكون جنوبي يمثل الجنوب في أي استحقاق سياسي عتيد”.
من جهة أخرى، لاقت الدعوة تفاعلاً ملحوظاً من الناشطين المؤيدين للحراك الجنوبي، الذين أطلقوا وسوماً على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار “#الكيان_السياسي_الجنوبي_يمثلني”، فيما اعتبر القيادي والناشط السياسي في “الحراك الجنوبي”، لطفي شطارة أن “حل الجنوب لن يكون إلا بأيدٍ جنوبية، وأن الإطالة والتباطؤ في الإمساك بزمام المبادرة من قبل قيادة أو مجلس جنوبي، سيجعل من يتعاطف مع قضيتنا يتململ”، وأضاف في منشور له على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، “مجلس إنقاذ جنوبي موحد يضم كل محافظات الجنوب اذا أردنا جنوباً يحتوي الجنوبيين.. بعد العيد اقطبوا ثم اقطبوا ثم أقطبوا (أي اسرعوا مخاطباً الجنوبيين)”.