للشهر الرابع على التوالي، يعيش الموظفون في اليمن دون مرتبات، مع استمرار رفض مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية صرف المرتبات من الأموال التي تسيطر عليها في فرع البنك المركزي بصنعاء، وترفض أيضاً تسليم الإيرادات من مناطق الشمال للبنك المركزي في عدن؛ كي تتكفل الحكومة الشرعية بالصرف لجميع الموظفين، ومن ضمنهم العاملون تحت قبضة المليشيا.
حيث أعلنت حكومة أحمد عبيد بن دغر، الشرعية، اقترابها من إنهاء أزمة الرواتب في المناطق المحررة، وسبق أن صرفت لبعض المؤسسات من الإيرادات، كما استلمت 200 مليار ريال، طبعت في روسيا مؤخراً.
قمع بقوة السلاح
المليشيا الانقلابية التي شكلت حكومة في صنعاء “غير معترف بها”، تتبرأ من مسؤولياتها في صرف المرتبات للموظفين الذين يقعون في المناطق التي تسيطر عليها، بل وتجبر وتمارس الإرهاب بحق الموظفين الذين يعملون تحت قوة السلاح.
ويقمع الحوثيون أي احتجاج أو إضراب بقوة السلاح، ويصدرون صكاً بالتهم الجاهزة لمن يطالب براتبه، تتنوع بين “داعش والعمالة والارتزاق”.
ويطرح تعنّت الحوثيين تساؤلات عن كيفية عيش اليمنيين، الذين تلخّص حالتهم أرقام الأمم المتحدة، والتي توضح أن 21 مليوناً من السكان البالغ عددهم 26 مليوناً، بحاجة لمساعدات إنسانية (نحو 80% من عدد السكان)، وأكثر من نصف السكان يعانون من سوء التغذية بسبب الحروب التي أشعلتها المليشيا المدعومة من إيران.
يجيب الخبير الاقتصادي اليمني، عبد الجليل السلمي، في حديثه لـ “الخليج أونلاين” بالقول: “هناك نمط جديد من أنماط التكافل فرض نفسه على الوضع المعيشي في اليمن، حيث تكيف غالبية المواطنين مع الوضع الذي تحركه الجدارة الائتمانية (التعامل بالدَّين) للموظف عند مؤجري العقار (السكن) وتاجر التجزئة، وهو ما يتعامل به أيضاً تاجر التجزئة مع تجار الجملة والمنتجين”.
حوالات المغتربين
ويضيف السلمي: “ومع ارتفاع فاتورة الديون يقل الطلب الاستهلاكي للموظفين الذي يعشون بدون رواتب، حيث يستحوذ موظفو الدولة على ما نسبته 36% من الطلب الاستهلاكي للسلع والخدمات في السوق المحلية، وفقاً لبيانات وزارة المالية”.
وأكد السلمي لجوء بعض الموظفين الذين توقفت رواتبهم إلى بيع المدخرات من العملات الأجنبية أو المجوهرات لمواجهة احتياجاتهم المعيشية، وكذلك بيع ما يمتلكون من أصول، سواء كانت عقاراً، أو أصلاً متنقلاً، أو أثاثاً منزلياً.
ولفت السلمي إلى أن حوالات المغتربين اليمنيين تسهم بشكل كبير في التخفيف من الوضع الإنساني المتدهور في البلاد، حيث بلغت -وفق تقرير اتحاد المصارف العربي- العام الماضي نحو 3.4 مليارات دولار، فضلاً عن الحوالات العينية المتمثلة بالأثاث، والذهب، والسيارات، والآلات، وغيرها، خصوصاً من السعودية.
الفضلات والنفايات
بدوره تحدث الصحفي الاقتصادي اليمني، نجيب العدوفي، لـ “الخليج أونلاين” عن هذه الأزمة المتفاقمة بقوله: “لجأ الكثير من الأسر اليمنية إلى بيع مدخراتها من الذهب وغيره، وباتت اليوم لا تملك أي مدخرات، أما الأسر منعدمة الدخل وغير القادرة على تأمين الغذاء؛ فلجأت إلى الحصول على حاجتها من الغذاء عن طريق فضلات الأكل التي يخلفها الميسورون، في حين انتشرت ظاهرة الأكل من النفايات، والاعتماد على النفايات القابلة للتدوير كمصدر دخل”.
وحذر العدوفي من كارثة إنسانية يصعب احتواؤها، حيث تظهر مؤشرات المجاعة في اليمن بوضوح؛ من خلال اختفاء الطبقة المتوسطة لصالح الطبقة الفقيرة، وأصبح ما يزيد عن 80% من إجمالي السكان داخل دائرة الفقر.
أزمة السيولة
ودفعت أزمة السيولة التي تعيشها البلاد منذ أربعة أشهر، ما تبقى من الطبقة الوسطى إلى الفقر، كما عمّقت الفقر للأسر الفقيرة، وأدت إلى مخاطر كبيرة على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ومزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي.
وأثرت أزمة الرواتب في نحو 1.25 مليون موظف حكومي، يعيلون 6.9 ملايين نسمة، ومنهم 3.3 ملايين طفل؛ ما يُصعّب وصولهم إلى السلع والخدمات الغذائية وغير الغذائية، خاصة أن 31.8% منهم يعانون أصلاً من انعدام الأمن الغذائي، وفقاً لبيانات المسح الشامل للأمن الغذائي للعام 2014، في وقت تبلغ فيه فاتورة المرتبات والأجور لموظفي الدولة نحو 75 مليار ريال شهرياً (ما يعادل 250 مليون دولار أمريكي).
كما تسببت أزمة السيولة في حرمان نحو 1.5 مليون حالة فقيرة من الإعانات النقدية لصندوق الرعاية الاجتماعية الموقفة منذ بداية العام 2015، وهو ما يعرضهم للمزيد من الحرمان، خاصة أن 63% منهم يعانون أصلاً من انعدام الأمن الغذائي، بحسب المسح الشامل للأمن الغذائي، وتبلغ المتطلبات التمويلية للإعانات النقدية للفقراء نحو 22.7 مليار ريال كل ثلاثة شهور، أي 7.57 مليارات ريال شهرياً.