انطلقت معركة الساحل الغربي من جديد دون يقين واضح من أنها تتم تحت السيطرة الكاملة من جانب القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية، الرئيس عبد ربه منصور هادي، فالتشكيلات العسكرية التي تخوض هذه المعركة مع قوات المخلوع صالح وميلشيا الحوثي، تحمل مسميات إماراتية وتخضع لقيادة عسكرية ميدانية تخضع بشكل كامل للقائد العسكري الإماراتي في عدن. وحتى لا يبدو المرء متشائماً فإنه ليس بوسعه سوى الدعاء بأن تحقق هذه المعركة أهدافها العسكرية التي تتسق مع الأهداف المعلنة للتحالف العربي في اليمن، وليس أي هدف آخر.
يضطلع اللواء هيثم طاهر قاسم وزير الدفاع الأسبق في أول حكومة يمنية بعد الوحدة، والمقرب من أبو ظبي، بدور بارز في قيادة هذه العمليات التي يبدو أنها حظيت بإمدادات عسكرية جيدة. آخر المعطيات الميدانية تشير إلى استعادة الجيش والمقاومة “الجنوبية” مدينة ذوباب ومعسكر العمري وهي مناطق مهمة بالقرب من مضيق باب المندب، وتتبع إدارياً محافظة تعز، ومن شأنها أن تُبعد خطر الانقلابيين عن هذا المضيق الاستراتيجي الهام.
السيطرة عل معسكر العمري في مديرية “ذوباب”، من جانب القوات الموالية للشرعية ووحدات من التحالف، ليست الأولى فقد سبق وأن تم تحرير هذا الموقع العسكري وعاد الانقلابيون وسيطروا عليه والسبب، يعود إلى أن الانقلابيين يمتلكون خط إمداد مفتوح من معاقلهم الجبلية في صنعاء وصعدة وفي مدينة الحديدة الساحلية، وهذا منحهم قدرة كبيرة على المناورة والاستمرار بهذا القدر من الفعالية. لم يشأ التحالف العربي أن يخوض معركة تحرير تعز، لهذا لجأ إلى تجزيء المعركة والتي لا تهدف على ما يبدو إلى هزيمة الانقلابيين وطردهم من محافظة تعز، بل إنهاء خطرهم على مضيق باب المندب، وعلى محافظة لحج الجنوبية.
لقد جرى تصميم هذه المعركة لتجري في معزل عن أي مشاركة من مقاومة محافظة تعز التي تدور هذه المعركة على أراضيها، بذريعة تفادي الأجندات الحزبية وبالأخص أجندة “حزب الإصلاح”، وفقا لما نقله موقع يمني رصين عن تحليل في موقع “سكاي نيوز”. وإجراء كهذا ليس الأول من نوعه فقد حرصت الإمارات على عزل محافظة تعز تماما عن معركة تخصها والمؤسف أن الإمارات لا تريد من تعز سوى باب المندب، والمؤسف أكثر أن الإماراتيين يخوضون معركة الساحل الغربي وأمامهم لائحة أعداء كُثُر بعض هؤلاء “الأعداء” يعتقدون أنهم جزء من المعركة ضد الانقلاب، وأن ظهرهم محمي بما فيه الكفاية من جانب التحالف.
أدرك الانقلابيون منذ وقت مبكر إمكانية وصول التحالف إلى باب المندب، فالتحرك على أرضية ساحلية مفتوحة، بمعدات عسكرية ضخمة وتغطية جوية ستؤدي حتما إلى تحقيق أهداف السيطرة على المضيق وقد تحقق ذلك بالفعل في صيف 2015، لذا لجؤوا إلى الانتشار والتموضع في سلسلة الجبال المحاذية للساحل من الناحية الشرقية، في جبال كهبوب الواقعة في محافظة لحج، ومديرية الوازعية الواقعة في محافظة تعز، إلى جانب سيطرتهم القوية على مدينة وميناء المخا التاريخي. وهذا الانتشار في الحقيقة هو الذي أدى إلى استمرار هيمنة الانقلابيين على مضيق باب المندب على الرغم من تواجد التحالف في هذا المضيق.
لم يكن هناك من عائق عسكري يحول دون تحقيق المزيد من الانتصارات في الساحل الغربي، ولكن التحالف قرر التوقف عن الزحف في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة، علما بأن التقدم باتجاه الحديدة يساعد بكل سهولة في قطع أهم شريان للإمداد العسكري الذي يستفيد منه الانقلابيون في تغذية معاركهم المستمرة في تعز وفي أجزاء من محافظة لحج. لا تبدو المعركة في الساحل الغربي فاصلة من الناحيتين الاستراتيجية والسياسية، رغم حاجة الرئيس هادي إلى الانتصار في هذه المنطقة، بالنظر إلى الضغط الذي لا تزال الحكومة تتعرض له من جانب المجتمع الدولي بشأن خطة السلام المفروضة من الأمم المتحدة بدعم أمريكي وغربي كبير. لست متأكدا من أن الرئيس هادي حاضرٌ في هذه المعركة إلا إذا أثبتت معطيات المرحلة المقبلة بأنها تتحول بالفعل إلى معركة تحرير تعز، بكل ما يعكسه ذلك من قناعة لدى التحالف بأنه لا بديل للحل العسكري من أجل احتواء الخطر الإيراني في اليمن.
نحتاج نحن اليمنيون -الذين يؤمنون بإمكانية العيش في يمن واحد حر عزيز وكريم، ويساندون الشرعية- أن نطمئن بأن المعركة الدائرة في اليمن، متماسكة الأهداف وواضحة وأخلاقية. ليس مقبولا تمرير أجندة الانفصال عبر هذا الخط المتعرج المضرج بالدماء. وإن كان ولا بد فليكن الانفصال بمعايير أخلاقية تُبقي على الحد الأدنى من العلاقات بين الشعب اليمني. ولهذا نرى مسار المعركة بخط واحد وبنهاية واضحة، وهذا الخط يجب أن يقودنا جميعا إلى صنعاء حيث يجب أن يبقى اليمن موحدا وديمقراطيا، ومتحررا من كل أشكال الهيمنة المذهبية والمناطقة والإقليمية، وقابل للتعايش ضمن علاقة شراكة واندماج كاملة مع محيطه الإقليمي.(عربي 21)