أبقيت هناك مسافة للأمل يتمكن اليمنيون من خلال اجتبازها أن يقتنعوا بحوار سياسي يكون الحوثيون طرفا فيه؟
لقد جر أتباع الحوثي البلاد إلى حرب، طحنوا فيها ما لم يطحن من قبل من قيم وطنية، لم تعد قاسما مشتركا بين اليمنيين. أصابوا التاريخ السياسي لليمن بنكبة لا أتوقع أنه سيقوى على أن يغادرها. فحربهم شملت بفجائعها كل اليمنيين ولم تستثن أحدا. لم تكن هناك جهة بعينها هي المستهدفة بتلك الحرب، بل كانت اليمن كلها مستهدفة.
تمردوا على الحكومة. هذا ما يمكن أن يكون مفهوما بسبب عدم الثقة المتبادل الذي يرجع إلى ست حروب خاضوها من غير أن يتمكنوا من أن يفرضوا أجندتهم على الآخرين. ولكن تمددهم على كامل التراب اليمني من خلال غزو المدن كشف عن مفهوم يقع خارج اطار الشراكة الوطنية، بل وخارج اطار مطاليبهم التقليدية التي قرروا أن تكون جزءا من الماضي.
لقد طوى الحوثي صفحة الوطن الواحد الذي يضم الجميع ليفرض املاءاته.
كانت الحرب وسيلته لتركيع الآخرين من خلال استضعافهم.
لم يكن الحوار السياسي قد وصل إلى لحظة القطيعة، حيث اللاعودة إلى طاولة النقاش حين غزا الحوثيون العاصمة صنعاء معلنين اسقاط الحكومة الشرعية.
وهو ما فاجأ كل القوى الداخلية التي كانت تستعد للانتقال بالبلاد إلى مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق الوطني الذي قبل الحوثي ببنوده كلها.
ولو أن اليمن تركت يومها فريسة للأطماع الحوثية لكانت اليوم واحدة من ضياع بني فارس. وهو ما لم يخفه الحوثيون والايرانيون على حد سواء.
كانت الدولة هي الحلقة الأضعف في الصراع بعد أن وضع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الجزء الأكبر من قدراتها العسكرية في خدمة المشروع الحوثي، وهو مشروع لا تنص فقرة واحدة من فقراته على الحوار الوطني.
أسوأ ما فعله الحوثيون أنهم نقلوا الصراع من منطقة، كانت ممكنة سياسيا إلى منطقة حلت الطائفية فيها محل السياسة، فصار على اليمنيين وهم الذين خلت لغتهم اليومية من المفردات الطائفية أن يقفوا أمام أبواب مسدودة.
لقد أغلق الحوثيون الأبواب كلها متباهين بأنتصاراتهم المدموغة بالختم الايراني.
كانوا أغبياء على المستوى السياسي حين وضعوا بين يدي الإنسان اليمني البسيط دليلا لا يقبل النقض على أن في قوتهم في أي وقت من الاوقات ما يؤدي بالبلاد كلها إلى التهلكة. فهم لا يحتاجون اليوم إلى من يبحث عميقا في أوراقهم ليتهمهم بالخيانة. ما لم يقله الحوثيون قاله الايرانيون وما لم يقله الايرانيون قالته سفنهم المحملة بالسلاح والعتاد.
ما فرضه الحوثيون على أنفسهم من عزلة وطنية لم يكن أحد من اليمنيين يتمناه لهم. وما استجابة الحكومة الشرعية لمحاولات الحوار السياسي السابقة إلا تعبير عن رغبة يمنية صادقة في أن يعود الحوثيون عن غيهم ويتراجعوا عن أوهامهم بعد أن تبين لهم أن ايران لا تملك العصا السحرية التي في إمكانها أن تمحو شعبا.
ولكن الحوثيين وبسبب تورطهم في سلسلة من الرهانات العقائدية التي لا تمت بصلة إلى بداهات العمل السياسي واصلوا عنادهم بطريقة تكشف عن رغبتهم في الانتحار. لذلك فشلت كل محاولات الحوار في منعهم من الذهاب إلى الهاوية.
ومن اللافت أن لا شروط سياسية واضحة لدى الحوثيين بعد أن سقط شرطهم الوحيد الذي تمثله أطماعهم في الاستيلاء على اليمن وحكم شعبها وفق أجندة ايرانية.
الحكومة اليمنية التي وافقت على اجراء جولة جديدة من الحوار مع المتمردين الحوثين تعرف جيدا أكثر من الغرباء أن لا جدوى من الحوار معهم. فلا شيء جديد لديهم.
هناك قرار من مجلس الأمن إن طبقه الحوثيون فذلك يعني امضاءهم على نهاية مغامرتهم المجنونة، وهو ما يعني ضمنا نهاية لمشروعهم الطائفي الذي لا يمكنهم التخلي عنه.
من وجهة نظري إن تلقين الحوثيين درسا في الوطنية لا يتم إلا من خلال اعادتهم إلى حجمهم الحقيقي في الحياة اليمنية. ما لم يستعيدوا ذلك الحجم فإن أي حوار سياسي معهم لن يجلب إلى اليمنيين إلا مزيدا من التعاسة.