باتت ساعة التصفيات تدور عقاربها باتجاه الانقلابيين، فكل يوم تظهر صور للحرب الضروس بينهم في اليمن، بعد أن أفقدهم حصار التحالف العربي ونيران طيرانه ومدفعياته وتقدم الجيش الوطني من كل جانب؛ الثقة ببعضهم، فبات كل طرف يريد تصفية الآخر ليحفظ الآخر قليلاً من السلطة التي ستحولها “عاصفة الحزم” إلى رماد.
وشكل الإعلام بوسائله المتعدد ذراعاً طولى اتكأ عليها المخلوع صالح ونظامه خلال أكثر من 30 عاماً من تربعه على مركز الرجل الأول في اليمن، غير أنه حالياً وجد كل المؤسسات التي بناها على أسس الولاء له ولنظامه أصبح ولاؤها للمليشيات وتوالي السلطة الأقوى في المساحة الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.
وكانت إمبراطورية إعلام المخلوع الضاربة سلاحه الأنجح في ترسيخ مفاهيم سياسة نظامة وحزبه، ووسيلة الحشد والتحريض والإرهاب ضد الخصوم، حتى السياسيين منهم الذين لم يحدث أن رفعوا سلاحاً في وجه المخلوع ونظامه.
وتشكلت ماكينة الإعلام الموالية للمخلوع من ثلاثة أجنحة عملت كلها في تنسيق تام، وكانت ترسم السياسة الإعلامية من مكتب الرئاسة عبر سكرتارية المخلوع الإعلامية، ممثلة بعدد من الأشخاص الذين يضعون الخطوط العريضة لتناولات الأجنحة الثلاثة، كل حسب طبيعة مهامه وخطابه.
وكان جناح المخلوع الأول إعلامياً هو وسائل الإعلام الرسمية المملوكة والممولة من الحكومة، والتي تدار من قبل وزارة الإعلام والجيش والأمن، وهي عبارة عن عدد من القنوات الفضائية والإذعات والصحف الرسمية ووكالة الأنباء.
الجناح الثاني هو وسائل الإعلام الحزبية التابعة لحزب المخلوع الحاكم المؤتمر الشعبي العام، والمتمثلة بعدد من الصحف الورقية والإلكترونية.
الجناح الثالث هو وسائل الإعلام المستقلة ظاهرياً بينما هي في الأساس تتبع المخلوع وحزبه ونظامه، وتعمل وفق سياسة إعلامية تعتمد على مساحة ضئيلة من الحرية المحددة لها مسبقاً بهدف تسويق خطابها وتأدية الدور المناط بها.
والى جانب ذلك عمل أيضاً المخلوع ونظامه على استقطاب كوادر صحفية في صحف مهمة محسوبة على المعارضة، وأيضاً استقطاب صحفيين من خارج اليمن عرب وأجانب عملوا لصالح نظامه في الخارج.
ومارس المخلوع عربدة سياسية طيلة فترة حكمه مستنداً إلى إمبراطورية إعلامية كبيرة عملت على تزييف الحقائق وتخدير الشعب اليمني بكل ما يخدم نظامه وأجندته الخاصة.
كما مارس نظام المخلوع إرهاباً وقمعاً وحشياً بحق الصحفيين الذين كانوا ينتقدون سياسات نظامه وطريقة تفرده بكل مصادر القرار والسلطة والثروة، حيث تم في عهده اغتيال وسجن واختطاف صحفيين وممارسة الترهيب والترغيب مع شريحة الصحفيين وقادة الرأي في البلاد.
كان للمخلوع ثلاث صحف يومية كبيرة ورابعة أسبوعية، وتوزع تلك الصحف في كل مناطق اليمن، ولها إمكانات ضخمة وصحيفة عسكرية أسبوعية استخدمها للتأثير على أفراد القوات المسلحة، إضافة إلى أكثر من سبع إذاعات وأربع قنوات فضائية، وأكثر من 11 صحيفة حزبية ومستقلة، وما يزيد عن 20 موقعاً وصحيفة إلكترونية، وأكثر من ألف صحفي وكاتب يمني وعربي وأجنبي يعملون لصالح أجندته وتوجهات حزبه ونظامه.
هذه الآلة الإعلامية الضخمة التي شيدها المخلوع لخدمة نظامه تحولت اليوم إلى سلاح تم تصويبه إلى صدر المخلوع وحزبه وبقايا نظامه ومساعديه، حيث سيطرت المليشيات الحوثية الانقلابية على كل مؤسسات الإعلام الحكومية، وحولتها للعمل لصالحها بعد أن أطاحت بكل أتباع المخلوع من قيادة تلك المؤسسات، وعينت مقربين من المليشيا على رأس تلك المليشيات لإنتاج خطاب إعلامي يخدم المليشيات الحوثية ومشروعها.
وتوقفت صحف المخلوع الحزبية باستثناء صحيفة واحدة هي الميثاق، وموقع إلكتروني وحيد يتبع الحزب، وأصبح المخلوع محاصراً إعلامياً من قبل المليشيات، حيث لا يسمح بظهوره على أي وسيلة إعلامية من الوسائل الحكومية التي سيطرت عليها مليشيات الانقلاب.
ولم يعد للمخلوع سوى قناة “اليمن اليوم” التابعة لنجله أحمد علي، وصحيفة “اليمن اليوم” أيضاً، وبدأت مليشيات الحوثي الانقلابية مؤخراً حملة لإيقاف القناة والصحيفة من خلال إظهار وثائق تكشف تمويل القناة والصحيفة من إيرادات شركة النفط اليمنية؛ الأمر الذي يشير إلى تحرك المليشيات لقطع تمويلها وإيقافها.
وفي حال تم إيقاف القناة والصحيفة، لن يبقى للمخلوع صالح وحزبه سوى صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” كوسيلة تواصل إعلامية؛ لأن صحيفة الحزب وموقعها الإلكتروني لا يؤديان الدور بشكل جيد؛ لانخفاض توزيع الصحيفة، وتراجع أداء الموقع، كما أن الصحيفة الحزبية والموقع مهددتان بالتوقف، حيث مضى أربعة أشهر دون أن يتسلم العاملون في الحزب ومؤسساته مستحقاتهم المالية.
ومؤخراً بدأت مليشيات الحوثي حرباً مفتوحة داخل الصحف الحكومية لطرد أتباع المخلوع صالح وحزبه من داخل تلك الصحف، بعد أن تم طرد القيادات في الصحف، حيث استدعت النيابة قبل يومين 14 صحفياً من مؤسسة الثورة جميعهم من أتباع المخلوع وحزبه للتحقيق معهم في قضايا فساد؛ لأنهم طالبوا بمرتباتهم، وهي تهم كيدية للتخلص منهم وطردهم.
وتستهدف حملة تصفية الطابور الخامس أيضاً، والتي أطلقتها المليشيات لإسكات كل الأصوات التي تنتقدها وإدارتها للمؤسسات، وعلى رأس المستهدفين أتباع المخلوع من النشطاء والإعلاميين، سواء كانوا ضمن مؤسسات إعلامية أو مستقلين.
قريباً سيظهر المخلوع صالح نفسه على صفحته على “فيس بوك” ليخاطب الآخرين، بعد أن كان رئيساً ومالكاً لأكبر ماكينة إعلامية، ويتحول إلى “مفسبك” كما يطلق اليمنيون على نشطاء التواصل الاجتماعي.