باتت صنعاء مدينة الثلاثة ملايين نسمة من دون متنزهات يقصدها السكان للترفيه عن أنفسهم، باستثناء حديقتين قديمتين تزدحمان خلال الأعياد والعطل الرسمية. ومع الحرب التي طال أمدها والضغوط الاجتماعية المتزايدة، كثيرة هي أسر صنعاء التي تجد متنفساً لها في مساحات طبيعية مفتوحة في الضواحي الريفية للمدينة.
أسرة محسن الهمداني من تلك الأسر، وهو يصطحب أفرادها في سيارته الصغيرة إلى منطقة سد مِختان التي تبعد ثمانية كيلومترات إلى شرقي المدينة. يقول الهمداني: “أنفق نحو ألفَي ريال يمني (نحو ثمانية دولارات أميركية) في الحدائق نظراً إلى غلاء تذاكر الدخول وبُعدها عن محل سكننا. لكن في نزهتنا إلى السد، ننفق أقلّ من ذلك ونستمتع قدر ما نشاء بالجوّ النقي وبمنظر بحيرة المياه”.
يتوجّه الهمداني وأفراد أسرته إلى ذلك المكان مرّة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من دون أن يشعروا بالملل نتيجة تكرار الأمر، “ففي كل مرة نبتكر ألعاباً أو أنشطة ترفيهية جديدة تبعدنا عن المدينة ومشاكلها”.
إلى الجهة الغربية من المدينة، مناطق عدّة تجذب السكان خلف جبل عَصِر، لكنّها تكلّف مالاً أكثر بسبب بُعدها عن المدينة. وذلك لا يمنع كثيرين من التوجّه إليها، فالمسافر على هذا الطريق يصادف أسراً فقيرة تستقل عربات توك توك لبلوغ وجهتها. يُذكر أنّها تضطر إلى الخروج من منازلها باكراً، إذ إنّ تلك العربات تسير ببطء. ولعلّ أبرز متنفّس تعرفه أسر صنعاء كلها هو متنزّه شلال وادي بني مطر الذي يبعد نحو 20 كيلومتراً عن المدينة.
يشعر مختار حسين وكذلك أفراد أسرته أنّهم محاصرون بالسياسة والحرب والكوليرا وغيرها، لذا يهربون من كلّ هذا إلى مناطق قريبة من المدينة يستطيعون فيها تنفّس الصعداء. ويقول حسين: “خياراتنا ضيقة في ما يخصّ انتقاء متنزّهات مناسبة لقضاء بعض الوقت، بعدما عجزنا عن قضاء إجازاتنا السنوية في المدن الساحلية مثل عدن أو الحديدة أو مدينة تعز الجبلية بسبب الحرب وما نشأ عنها من مشاكل اقتصادية حادة. كذلك، لم أتلقَّ مرتّبي منذ تسعة أشهر فيما ترتفع أسعار الوقود والغذاء”.
عند شلال وادي بني مطر، يمكن للزائر أن يصادف مختلف فئات المجتمع. وهو قادر على التمييز بين تلك الفئات من خلال مركباتهم، التي قد تكون باصات صغيرة تتّسع لسبعة ركاب وقد تكون سيارات يابانية حديثة رباعية الدفع أو غيرها. فإغلاق مطار صنعاء خلال الحرب بمعظمها وتعقيدات قضايا التأشيرات في الخارج حرمت ميسوري الحال من الاستمتاع بإجازاتهم خارج البلاد. يقول عبد الواحد الذي تحفّظ عن ذكر شهرته، إنّ “أسرتي حُرمت من الاستمتاع بإجازاتنا في القاهرة، حيث كنّا قد اشترينا شقة قبل 10 أعوام. لذا نقضي أيام العطل في مثل هذا المكان الجميل”. ويشير عبد الواحد إلى أنّه “في البداية، لم يعجب المكان بناتي بسبب ازدحامه وتعلّقهنّ بالقاهرة. لكنّهنّ رحنَ لاحقاً يستمتعنَ بأنشطة ترفيهية مع غيرهنّ من زائرات المنطقة، ووجدنَها فرصة لاكتشاف ألعاب جديدة وكسب صديقات جديدات، في حين نستمتع جميعاً بالشواء الذي اعتدناه وبالاستماع إلى الموسيقى”.
لم تشهد منطقة شلال وادي بني مطر إقبالاً كبيراً بهذا الشكل من قبل، بحسب ما يشير بائع من أبناء المنطقة. ويقول إنّ “أحد أسباب تهافت الناس على المتنزهات هو القوارب الصغيرة التي تشغّل أخيراً فتحمل الناس على متنها في نزهات على مدى 10 دقائق عند أسفل منطقة الوادي وحتّى السد القريب، في مقابل بدل”. يضيف أنّ “الأسر تستسهل التوزّع في مناطق الوادي المرتفعة لتستمتع بمناظر أجمل ولتحصل النساء على خصوصية أكبر”.
إلى ذلك، ثمّة أسر لا ترغب في الزحمة، لذا تتّجه إلى مناطق أخرى قريبة مثل بيت رَدَم وحظران وهما من القرى التي تتميّز بغطاء نباتي من أشجار البرقوق والخوخ والسنديان وغيرها.
من جهة أخرى، يتحدّث المهندس عبد الرزاق الزبيدي الذي يعمل في مكتب الأشغال العامة المسؤول عن تخطيط المدينة، عن “الثورة التقنية الرقمية التي ساهمت في اندثار مراكز الترفيه الثقافية المتعددة، بالإضافة إلى سوء تخطيط مدينة صنعاء الذي تسبب في انعدام المساحات الخضراء”. ويتابع أنّ “المكتب يخصص مساحات لحدائق كبيرة في مخططاته للشوارع الجديدة، لكنّ هذه الخطط سرعان ما تفشل لأسباب مختلفة، منها رفض أصحاب بعض الأراضي التخلي عنها وقبول التعويضات”. ويشير الزبيدي إلى “نحو 20 حديقة صغيرة وحديقتَين كبيرتَين، تعود أحدثهما إلى 25 عاماً، لكنّها كلها عرضة للإهمال المزمن بسبب الضائقة المالية التي تعاني منها الجهات المسؤولة عن رعايتها”.