تلتزم أسر كثيرة في العاصمة اليمنية صنعاء باجتماع أفرادها كلّ يوم جمعة في منزل كبير الأسرة سواء كان الأب أو الأخ الكبير في حال وفاة الأب. فيوم الجمعة له مكانة خاصة بين الأيام، يتميز بالملابس والطقوس الاجتماعية التي غالباً ما تتكرر كلّ أسبوع.
أحياناً، من أجل تحقيق هذا اللقاء يقطع أحد أفراد الأسرة مسافات طويلة لحضور هذه الجلسة العائلية الهامة، لأنّ التغيّب عن هذا اللقاء الأسبوعي العائلي من دون سبب قاهر يُقابل بانتقاد بقية أفراد الأسرة.
محمد سنهوب شاب يعمل في إحدى المؤسسات الحكومية، استقل بحياته وأسرته الصغيرة عن أسرته الكبيرة في بيت للإيجار شمال مدينة صنعاء. في صباح كلّ يوم جمعة وبعد استحمام أفراد أسرته، يلبسون ثياباً تقليدية خاصة ومعطرة بالعود أو المسك. محمد وطفله عادل (8 أعوام) يرتديان الثوب الأبيض ويحتزمان الخنجر اليمني التقليدي المعروف باسم (الجنبية) ويعتمران الغترة بالطريقة الصنعانية. يخص محمد هذا اللبس تكريماً لهذا اليوم فهو ما يمتثل به كلّ أفراد أسرته خصوصاً البالغين منهم.
يتوجه محمد مع أسرته بسيارة أجرة إلى بيت أبيه الكائن في جوار منطقة صنعاء القديمة لتنزل الإناث ويدخلن البيت بينما يتجه مع ابنه نحو مقبرة خزيمة الأكبر في مدينة صنعاء لزيارة قبر جده وجدته ليجد في معظم الأحيان أباه أو أخوته يقرأون الفاتحة ويدعون لهما بالرحمة. بعدها يتوجه الجميع نحو أقرب مسجد في حارة أبيه لصلاة الجمعة التي يحضرها معظم الناس بنفس الثياب التي يرتديها محمد.
وبعد انتهائهم من الصلاة ووصولهم إلى البيت، من الضروري أن يحضر كلّ الأخوة مع زوجاتهم وأولادهم ويجتمعون معاً لتناول وجبة الغداء في أكبر غرفة في البيت. ويتبادلون خلال ذلك أطراف الحديث عن أحوالهم ومشاكلهم فيما يضج البيت بأصوات الأطفال المختلفة بين بكاء وضحك.
بعد الغداء واستمراراً إلى المساء أهم فترات هذه الفعالية الاجتماعية، وهما جلستان منفصلتان بين الجنسين يميزها مضغ نبتة القات المنبهة بما يشبه فعاليات الديوانيات في بعض دول الخليج.
فبينما تتجه النساء لتبديل ملابسهن بملابس متبرجة إيذاناً ببدئهن اجتماعهن طوال المساء، يتوجه الذكور لتدشين جلستهم في أعلى غرفة في المنزل يطلقون عليها “المَفرَج” وهي أكثرها زينة وترتيباً. هناك يبدأ الجميع بتناول نبتة القات معاً، وقد ينضم إليهم أحد الجيران أو الأهل ممن لا يمتلك جدولاً مماثلاً لجدول هذه الأسرة لسببٍ ما.
لا يجلس محمد في صدر المفرج لأنه خاص بأبيه وأخيه الأكبر ثم من جاء من الضيوف كدلالة للاحترام. وتبدأ الجلسة بتبادل أطراف الحديث الذي يبدأ بين كلّ اثنين يتحدث كلّ واحد منهم عن أخباره. وبينما يتقدم الوقت قليلاً ينتظم الحديث أكثر فيتحدث شخص واحد ويستمع إليه الآخرون، وغالباً ما يتركز الحديث على الشؤون السياسية التي تعبر إلى الجغرافيا ويدعمها التاريخ والدين في أحيان كثيرة. لكنّ هذا النظام لا يمنع أحداً من مقاطعته من أجل مزيد من المعلومات أو المضي في قضية أكثر تفرعاً.
كذلك، تتميز الجلسة المسائية الصنعانية بتنوع الاتجاهات السياسية لدى أعضائها لترتفع أصوات المتحدثين عن السياسة حتى تبدو للمستمع لأول مرة وكأنّها شجار جاد. لكنّ تدخلات من هنا أو هناك سرعان ما ترجع المتحدثين إلى ما يمكن أن يتفقوا عليه من مبادئ دينية أو ثقافية كحلّ للمشاكل السياسية والأمنية المحتقنة والتي تسود الكثير من مناطق البلاد.
أما مواضيع جلسة النساء، التي زاد خلالها عدد النساء اللواتي يمضغن القات مقارنة بالسنوات الماضية، فلا تختلف كثيراً عن مثيلتها لدى الرجال إلاّ في كونها تميل بشكل أكثر نحو مناقشة العلاقات الاجتماعية، وإن لم تخلُ الشؤون السياسية والعسكرية أيضاً من مجرى الحديث.
كان للحرب القائمة حالياً دور كبير في تراجع كثير من الأسر عن هذه العادة يوم الجمعة بسبب القصف وانعدام المشتقات النفطية وارتفاع الأسعار وانقطاع رواتب معظم الموظفين الحكوميين. فكثير من الأسر باتت تقضي هذا اليوم في بيتها لتكتفي بالاتصال هاتفياً للاعتذار عن عدم المجيء والاطمئنان على أفراد الأسرة وتبادل بعض الحديث.
يقول سنهوب لـ “العربي الجديد”: “في بعض الأحيان يعتذر بعض أخوتي عن المجيء يوم الجمعة إلى منزل العائلة، وذلك بسبب سوء الأوضاع الأمنية أو عدم توفر الوقود”. يشير إلى أنّ والده في السابق كان يرفض تغيّب أي واحد من أبنائه، خصوصاً أنّه يوصيهم بمتابعة هذه العادة بعد مماته من أجل استمرار تماسك الأسرة. لكنّه اليوم يتفهم عدم قدرة بعضهم على المجيء بسبب “هذه الظروف القاهرة” بحسب وصف سنهوب.
العربي الجديد