في الرد الأخير للحوثيين (أنصار الله) على موقف “المؤتمر الشعبي العام”، وهو الحزب الذي يتزعمّه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ما يشير إلى أن ليس لديهم رغبة في أي شراكة من أي نوع كان في السلطة. يقول الحوثيون الشيء ثم يقولون ضدّه، وذلك من أجل تبرير شبقهم إلى السلطة.
هذا الشبق لا يشبه سوى شبق الإخوان المسلمين إليها. هذا الشبق الإخواني إلى السلطة كان وراء سقوط صنعاء التي صار الصراع على السلطة يدور داخل أسوارها، وذلك بعد الانقلاب الذي استهدف علي عبدالله صالح في العام 2011.
يقول الحوثيون إنّهم “مع الشراكة الوطنية” ثمّ يعددون الأسباب التي تجعلهم لا يثقون بـ“المؤتمر الشعبي” من منطلق أنّه يلعب دورا في إثارة الخلافات التي لا تخدم سوى “العدوان”. عن أي عدوان يتكلّم الحوثيون؟ هل إعادة اليمن إلى اليمنيين وانتزاعه من براثن إيران يعتبر عدوانا؟
لم يتردّد “أنصار الله” الساعين إلى إعادة كتابة تاريخ اليمن، في قضم السلطة في صنعاء على حساب علي عبدالله صالح الذي تفرّج عليهم عندما قضوا على آل الأحمر، زعماء حاشد، في محافظة عمران، ثمّ على اللواء 310 بقيادة العميد حميد القشيبي المحسوب على الإخوان وعلى الفريق علي محسن صالح نائب رئيس الجمهورية في الوقت الراهن. يعتبر الحوثيون بكل بساطة أنّهم استهلكوا علي عبدالله صالح واستنفدوا المطلوب من الرجل الذي وقف موقف المتفرّج في خلال زحفهم على صنعاء في مثل هذه الأيّام قبل ثلاث سنوات.
كان قرارهم الأخير بالسيطرة على السلطة القضائية وإزاحة أشخاص من المحسوبين على “المؤتمر”، يشغلون مواقع أساسية في تلك السلطة، دليلا على أنّهم ليسوا في وارد التراجع عن احتكار السلطة.
بالنسبة إلى حركة مثل “أنصار الله”، ليس هناك مجال للمشاركة في السلطة. هناك مراحل لا بدّ من عبورها، وصولا إلى الاستيلاء على كلّ شيء من منطلق امتلاكهم لحق إلهي، لا جدال في شأنه، في ممارسة الحكم. تعتبر التعليقات التي تبثها إذاعة صنعاء هذه الأيام بمثابة دليل ولا أوضح عن رغبة الحوثيين في احتكار السلطة من زاوية أن عبدالملك الحوثي “من دائرة النبوة”.
استطاع “أنصار الله” الذين استولوا على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 الاستفادة من كلّ الثغرات التي اعترضت طريقهم وذلك بعد خوضهم ست حروب مع علي عبدالله صالح بين العامين 2004 و2010. ليس سرّا، إلا لدى الذين لا يعرفون شيئا عن اليمن، أن الرئيس السابق كان وراء ظهر الحوثيين بصفة كونهم “الشباب المؤمن” في البداية وذلك في سياق محاولاته المستمرّة لإيجاد توازن معيّن في البلد، يستطيع من خلاله لعب دور الحكم الذي يسيّر الأمور في الاتجاه الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء.
عندما اختلّ هذا التوازن لمصلحة الإخوان المسلمين والمحيطين بهم إثر حرب الانفصال في صيف العام 1994، التي انتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي، عمل علي عبدالله صالح على الدفع في اتجاه قيام الحركة الحوثية وذلك من أجل إلهاء الإخوان والسلفيين بصراعات مع حركات دينية أخرى مثل “الشباب المؤمن” الذي كان يعترض، كتنظيم ديني، على إقامة مدارس دينية تابعة للإخوان أو للسلفيين في مناطق شمالية تعتبر تاريخيا مناطق الزيود في اليمن. لم يكن علي عبدالله صالح بعيدا حتّى عن ربط الحوثيين بإيران وبـ“حزب الله” الذي ليس سوى أدوات من أدواتها.
تمرّد الحوثيون على علي عبدالله صالح في العام 2003. اكتشف الرئيس السابق لدى توقفّه في صعدة في طريقه إلى الأراضي السعودية لتأدية فريضة الحج أنه فقد قدرة السيطرة على الوحش الذي صنعه. لم يعد أمامه سوى خيار القضاء على هذا الوحش الذي صار حاليا داخل بيته. تكمن مشكلته في أنّه لم ينجح في ذلك.
لعلّ آخر ما استفاد منه “أنصار الله” في 2014 ذلك الحقد الذي يكنه الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي للرئيس السابق. جعله هذا الحقد يتجاهل دعوة الأخير له من أجل التصدي للحوثيين في عمران في أثناء مسيرتهم في اتجاه العاصمة.
هناك أربعة أشخاص من قياديي “المؤتمر الشعبي” بعث بهم علي عبدالله صالح إلى الرئيس الانتقالي مع رسالة تحذر من أنه إذا لم يوقف “أنصار الله” في عمران، سيجدهم قريبا في العاصمة. كان فحوى الرسالة التي نقلها يحيى الراعي وعارف الزوكا وسلطان البركاني وياسر العواضي واضحا.
لكنّ الرئيس الانتقالي رفض النصيحة من منطلق أنه لا يريد أن يكون طرفا في تصفية الحسابات بين علي عبدالله صالح والحوثيين. كان يظنّ أن الرئيس السابق يريد استخدامه ضدّ الحوثيين ومنعه من عقد صفقة معهم.
كان عبدربّه يمتلك القوات التي تسمح له بمنع “أنصار الله” من متابعة الزحف في اتجاه صنعاء. كانت معظم ألوية الجيش بإمرته، خصوصا بعد إعادة تشكيل القوات المسلحة واستبدال القادة العسكريين الموالين لعلي عبدالله صالح ونجله أحمد وحتّى لعلي محسن صالح.
مع اقتراب موعد الذكرى الثالثة لاستيلاء الحوثيين على صنعاء، يبدو واضحا أن “أنصار الله” لا يقبلون أي شراكة في السلطة. انقلبوا على عبدربّه منصور بعدما وقّعوا اتفاق “السلم والشراكة” مباشرة بعد دخولهم صنعاء وما لبثوا أن وضعوه في الإقامة الجبرية. هل جاء وقت الانتهاء من علي عبدالله صالح الذي طوّقت المنطقة التي يقيم فيها مع أفراد عائلته وما بقي من كبار مساعديه عن طريق حواجز أقامتها العناصر الحوثية تحت مسمى “اللجان الشعبية”؟
من يستمع إلى ما تبثّه إذاعة صنعاء، يكتشف أن عبدالملك الحوثي دخل مرحلة جديدة مستندا إلى حقّه في إعادة كتابة تاريخ اليمن، وفرض نظام جديد يرث نظام “الجمهورية” التي أعلنت في السادس والعشرين من أيلول – سبتمبر 1962.
يبدو فرض هذا النظام الجديد المستوحى من التجربة الإيرانية أولوية الأولويات بالنسبة إلى مجموعة لا تمتلك أيّ مشروع سياسي أو اقتصادي. ليس هذا المشروع الذي يعني العودة إلى “الإمامة” سوى الطريق الأقصر للانهيار النهائي لكلّ مقومات العيش في صنعاء والمنطقة المحيطة بها.
ما الذي سيفعله الحوثيون في الأيام القليلة المقبلة بعدما قرروا وضع اليد على القضاء وعلى التعليم وعلى الأمن طبعا؟ إلى أيّ حد سيذهبون في المواجهة مع علي عبدالله صالح الذي وُضع حدّ لحرية تحرّكه بعد تأكيدهم أن لا شراكة في السلطة معه أو مع حزبه؟
هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها بحدّة. الأكيد أن علي عبدالله صالح لم يعد قادرا على استغلال الزخم الشعبي الذي توافر له قبل أيّام قليلة في الذكرى الـ35 لتأسيس حزبه. زحف الناس بعشرات الآلاف للمشاركة في التظاهرة الكبرى في ميدان السبعين. لكن كلّ تأثير لهذا الزحف انتهى مع انفضاض التظاهرة وعودة كل مشارك فيها إلى منزله.
لم يعد مطروحا هل سينقض “أنصار الله” على علي عبدالله صالح، على الرغم من اللقاء الذي حصل بينه وبين عبدالملك الحوثي الأربعاء، بل متى سيحدث ذلك وفي أي ظروف، خصوصا أنّ ثمة إشارات توحي بأنّ الضغط العسكري على صنعاء أكثر جدّية من أي وقت آخر هذه الأيّام.
ميدل ايست