يمثل المغتربون كتلةً رئيسيةً في عجلة التنمية والبناء ومعادلاً مهماً في رفد الاقتصاد العام للدولة إضافةً إلى كونهم ماكنة مهمة في الدبلوماسية الشعبية للتمثيل في بلدان المهجر وهم جسر الاتصال والتواصل مع شعوب العالم ولا سيما في الشقيقة والجارة المملكة العربية السعودية.
وللمغتربين قضاياهم وشئونهم وشجونهم الخاصة التي تحتاج إلى اهتمام ورعاية بما يضمن لهم نوعاً من الأمن النفسي والمعيشي كأهم عامل وناظم للأمن الفكري والجنائي والسياسي.
أرقام حاكمة للقرار: بحسب معلومات وزارة المغتربين اليمنية فإن نسبة 80% من المغتربين اليمنيين وجهتهم إلى الجارة السعودية، و تكرمت الأخيرة مشكورةً باستضافتهم واستيعابهم وحل الكثير من مشكلاتهم.
المكرمة الملكية السعودية بمنح المخالفين اليمنيين لنظام الاقامة المؤقتة (هوية زائر) لخمسمائة ألف يمني كانوا يقيمون في المملكة بصورة مخالفة للنظام وتم تصحيح أوضاعهم والانتقال إلى منحهم إقامات دائمة اعتبرها اليمنيون بلسم شفاء على جرح مؤلم وهدية سعودية فائقة الكرم باذخة الحب والاحترام والتقدير للأخوة والجوار.
في الوجهة الأخرى لتناول القضية فإن للمملكة الحق الكامل في ترتيب شئونها وضبط حركة المجال العام وتدفق المغتربين وقانونية إقامتهم فيها وكل ما يتصل بذلك.
لاسيما لو عرفنا أن كتلة اليمنيين المقيمين على أراضيها تأتي في المرتبة الرابعة بعد كل من الهند ومصر وباكستان من حيث الحجم والعدد, حسب احصاءات البنك الدولي, أضف إلى ذلك ولأسباب متعلقة بالطريقة الفاشلة في إدارة اليمن لعدة عقود فقد أنتجت هذه السنين إنساناً يمنياً يعاني في مسألة الأهلية والكفاءة من حيث قيمته الائتمانية وقيمته المضافة وهو تبديد وإهدار لأهم مورد بالنسبة للكيان العام( الدولة) فأصبح اليمني وتحت ضغط الحاجة والظروف القهرية ينتقل ويغادر ويهاجر ويستقر دونما مستوى متقدم أو حتى مقبول من البناء والإعداد والتأهيل الذي يصدره لسوق العمل متميزاً قادراً على خوض غمار المنافسة فرداً أو مجموعاً وحسمها لصالحه.
وعلى صعيد تطوير الذات والقدرات والمهارات والاحتراف الشخصي أو المهني يتموضع اليمني في خانات متأخرة جداً رغم ملكاته الفطرية وتقييمات الذكاء المتقدم لديه إن وجد الفرص و أتيحت أمامه آفاق لبناء ذاته.
إلى ذلك فإن اليمني ينتقل إلى خارج الحدود بسلبياته في الممارسات والأداء ونظراً لاتصال الجغرافيا والديموجرافيا والتداخل مع المملكة فإن هذه السلبيات والممارسات الخاطئة تحافظ على بقائها أكبر قدر من الوقت وتتحدى النظام العام للمملكة وتقاوم المزاج العام الشعبي فيها وهو ما لا تحمد عواقبه ونتائجه على المجموع الكبير.
مؤشرات الأرقام تفيد أن الوافدين اليمنيين إلى المملكة من حيث الحجم والعدد والانتاجية العامة ليسوا بتلك الأهمية التي ستضطر السعودية لتقديم تسهيلات وتنازلات عن قرارات ورؤى في الأوضاع الطبيعية. إلا أن الظرف الاستثنائي الذي جثم على اليمن والمملكة يفرض مراجعات وفق رؤية تضع في اعتبارها أموراً عديدة لعل من أهمها البعد الانساني والسياسي والأمني والاقتصادي وليس الاجتماعي بأقل أهميةً مما سبق.
لماذا استثناء اليمنيين..؟ جملة القرارات القاضية بفرض رسوم على التابعين والمرافقين للمقيمين على أراضي المملكة سببت قلقاً وفتحت أبواباً من المعاناة أمام الكثير من الأسر اليمنية المستقرة مع معيليها والذين عجزوا عن دفع الرسوم السنوية الاضافية، ولم يكن من بد ولا وسيلة غير الدفع بهؤلاء للعودة إلى اليمن التي لا تصلح للعودة حالياً نظراً لظروف الحرب والدمار وتوقف الحياة وانعدام مقومات العيش وجملة المخاطر المحدقة بالحياة ابتداءً من القمع الأمني لميلشيات الانقلاب بناءً على الهوية وخلفيات الغربة والاقامة في المملكة الذي يعطيهم مبررات للابتزاز والضغط والاكراه والإيذاء ومروراً بانعدام الخدمات وليس انتهاءً بعدم وجود السكن وظروف الحياة الكريمة لتطول قائمة منغصات ومكدرات الحياة بما يجعلها مستحيلة ومتعذرة أمام العائدين من المملكة مكرهين.
كما أنه من سوء الحال وتعاضد الاكراهات والمصائب التي حلت باليمنيين أن مليشيات الانقلاب تسعى جاهدةً لاستغلال هذه القضية وتجييرها في تحشيد المغتربين وأقاربهم المتضررين من القرار لصالحها في معاداة المملكة والإخلال بأمنها وسمعتها إكراهاً واستدعاءً لدواعي الانتقام والثأر جراء ما يصفونه بالجريمة في حق المغتربين اليمنيين وفي هذا السياق الإجرامي المتوافق مع المشروع الايراني الذي يتخذ من مليشيات الحوثي راس حربة لإيذاء السعودية خاطبت قيادات المليشيات الانقلابية الرأي العام بأنها ترحب بعودة المغتربين وأن معسكرات التجنيد مفتوحة لاستقبالهم وتدريبهم للمشاركة في الأعمال العسكرية المستهدفة للمملكة.
هذا التصرف الأرعن يشكل حزاماً ناسفاً مزدوجاً للإخلال بأمن اليمن والمملكة والاساءة للعلاقات بينهما في حال تمددت المليشيات الانقلابية في الفراغ الناتج عن هذه المشكلة التي تواجه المغتربين ما لم يتم ردم هذه الهوة السحيقة في مآلاتها على مجمل الأوضاع العامة في البلدين.
كما أن استجابة السعودية المعهودة بكرمها وفيوض عطاءاتها سيعود بنفع وفائدة كبيرين في التعجيل بحسم المعركة وهزيمة الانقلابيين في اليمن وتعزيز شعبية المملكة وتمتين أواصر الإخاء وتثبيت جسور الولاء.
وكما لا يخفى ما لذلك من فوائد سياسية وموائد اقتصادية و عوائد أمنية على المملكة فاليمن تمثل سوقاً تجاريةً كبيرةً في استهلاك واردات السعودية وستكون ميداناً واسعاً للاستثمارات العامة والخاصة وعمليات إعادة الاعمار في حال تم حسم المعركة التي يستوجب حسمها مراعاة كافة الظروف والعوامل المحيطة والمؤثرة سلباً او إيجاباً على مسار الحسم وإحلال السلام.
وفوق كل ذلك سيتم تطبيع المجريات الأمنية القومية للبلدين وتطويع عمقهما وتأثيرهما الايجابي في بعضهما وفي المحيط الاقليمي.
الأمل حادي الكتابة.. لمعرفتنا وثقتنا الكبيرة في أشقائنا وجيراننا الذين ساندونا حين خذلنا الجميع وكان
لوقفاتهم ووثباتهم عظيم فائدة وحميم إخاء كتبنا وأطلقنا هذا النداء إليهم لمنح اليمنيين استثناءات من رسوم المضافين و التابعين وترتيب إلغاء نظام الكفيل او على الأقل إيقاف بعض إجراءات العمل به في حق المغتربين اليمنيين مراعاةً للعامل الانساني واعتباراً للمنحى السياسي والأمني والاقتصادي.
فالضرر الذي حل بكثير من الأسر اليمنية المقيمة استوجب منا الكتابة وسيجد الاستجابة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حفظهما الله.
ويجب على سلطات اليمن الشرعية بذل المزيد من الجهود في سبيل إحلال الهدوء مكان القلق والتوتر الذي يحيط بمواطنيها المغتربين والعمل على معالجة كل مكامن الخلل والقصور والسلبيات واستدعاء التجارب و الخبرات في تأهيل العمالة اليمنية وضبطها وتأطيرها في أطر تحفظ السمعة الجيدة وتعود بالنفع على المغترب وعلى بلده والبلد المضيف.