يعتبر اليمن من أكثر البلدان العربية من حيث عدد الرؤساء، حيث توالى على حكمه 13 رئيساً في عهد الجمهورية شمالاً وجنوباً (منذ ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر1963)، كان أطولهم بقاءً المخلوع علي عبد الله صالح، الذي بقي في الحكم 33 عاماً قبل مقتله.
واللافت أن نهايات الرؤساء خلال عهد الجمهورية وكذا الأئمة الذين حكموا الشمال قبل ثورة سبتمبر 1962، كانت كلها مأساوية، وتراوحت بين القتل والإعدام والسجن المؤبد والنفي.
وبالعودة إلى صفحات التاريخ القريب، فإن الأئمة أو ما يعرف بـ”المملكة المتوكلية” اليمنية والتي استمرت في الفترة من 1918 إلى 1962، انتهت بنهاية دموية.
اغتيالات وإعدام
الإمام يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948، لقي حتفه إبان محاولة ثورية انتهت بالفشل بعد سيطرة أحمد (نجل الإمام يحيى) على الوضع. ورغم استعادة نجل الإمام الحكم إلا أنه لقي مصيراً لا يختلف عن أبيه حيث توفي في 19 سبتمبر 1962؛ بعدما اغتاله ثوار 6 مارس 1961.
ولم يكن عهد الثورات والجمهورية أفضل حالاً من العهود السابقة؛ إذ رسّخ المسار نفسه حيث قُتل إبراهيم محمد الحمدي، الذي حكم رئيس اليمن الشمالي من يونيو 1974 حتى أكتوبر 1977، هو وشقيقه عبد الله، في ظروف غامضة.
ويعتبر الحمدي من أكثر الرؤساء شعبية بين اليمنيين حتى الآن، وقد وجهت اتهامات للسعودية في الضلوع بعملية اغتياله.
أحمد الغشمي، الذي حكم في الفترة من 1977 وحتى 1978، لم يستمر طويلاً، ووجد المصير نفسه، حيث اغتيل عن طريق تفجير حقيبة ملغومة أثناء وجوده في مكتبه في القيادة العامة للجيش في 24 يونيو 1978 في ظل ظروف غامضة.
الرئيسان سالم ربيع علي، وعبد الفتاح إسماعيل، لقيا مصير الإعدام بعد أن حكما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، في الفترة ما بين 1969 و1980، على التوالي.
وحكم سالم ربيع اليمن من 22 يونيو 1969 إلى أن تم الانقلاب عليه في 22 يونيو 1978، وتم إعدامه في 26 يونيو 1978. في حين حكم عبد الفتاح إسماعيل من 21 ديسمبر 1978 إلى 1980. وقد تم إعدامه دون أن يمثل أمام المحكمة في 13 يناير 1986.
أما الرئيس عبد الرحمن الأرياني، ثاني رؤساء اليمن الشمالي، فقد لقي مصيراً مغايراً، حيث أطيح به من الحكم في 13 يونيو 1974 بفعل حركة 13 يونيو التصحيحية بقيادة إبراهيم الحمدي، الذي رأس مجلساً عسكرياً لقيادة البلاد.
سجن ومنفى
الرئيس الوحيد الذي كان مصيره السجن المؤبد ثم الموت هو قحطان محمد الشعبي، وهو أيضاً أول رئيس لليمن الجنوبي (1967 إلى 1969)، والتي عرفت فيما بعد بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وكان الشعبي قد قدم استقالته في 22 يونيو 1969، قبل أن يتم احتجازه دون محاكمة أو تحقيق، إلى أن تم الإعلان عن وفاته في 1981.
وثمة من أفلتوا من القتل وفرّوا إلى المنفى؛ كان أولهم الإمام محمد البدر أحمد حميد الدين، الذي لم يستمر حاكماً بعد أبيه سوى أسبوع، ثم أطاحت به ثورة 26 سبتمبر 1962 وهرب إلى السعودية.
ثاني من عبروا إلى المنفى بعد الانقلاب عليه هو عبد الله السلال، أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) في الفترة ما بين 1962 و1967. وهو أحد ثوار سبتمبر، وقد حطّ رحاله في مصر إلى أن دعاه الرئيس السابق علي صالح عام 1981 للعودة إلى الوطن، وقد توفي في صنعاء عام 1994.
الرئيس علي ناصر محمد، تولى رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) لفترتين رئاسيتين حيث بدأ مهامه الرئاسية في أبريل 1980. وقد هرب مع 6 آلاف شخص إلى اليمن الشمالي، بعد اندلاع حرب أهلية استمرت شهراً في يناير 1986، وهو مستقر حالياً في لبنان.
شريك الوحدة اليمنية علي سالم البيض، الذي حكم اليمن الجنوبي بين عامي (1986-1990)، هرب إلى سلطنة عمان ثم النمسا بعد أن خسر حرب الانفصال عام 1994. وهو الذي وقع على اتفاق الوحدة مع الرئيس السابق علي صالح لتأسيس الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990، وقد رفعا معاً علم الوحدة في عدن.
علي عبد الله صالح، الرئيس السادس لـ(الجمهورية العربية اليمنية)، وأول رئيس لليمن الموحد وصاحب ثاني أطول فترة حكم بين الحكام العرب، لقي مصرعه في 4 ديسمبر 2017 على يد مليشيا الحوثي، رغم أنه كان شريكاً لها في الانقلاب على السلطة عام 2015.
الوحيد بين أقرانه الذي لم يتعرض للاغتيال أو الإعدام أو السجن أو النفي هو عبد الكريم العرشي، الذي حكم بين 24 يونيو إلى 18 يوليو 1978، حيث عين رئيساً بعدما اغتيل الرئيس أحمد حسين الغشمي في يونيو عام 1978.
وتنحى العرشي عن الرئاسة وعُيّن في مناصب متعددة آخرها مستشاراً للرئيس صالح عام 1997، قبل أن يتوفى في 10 يونيو عام 2006.
الاستثناء
الرئيس عبد ربه منصور هادي، هو ثاني رئيس لليمن الموحد والثالث عشر بعد ثورتي سبتمبر 1962 وأكتوبر 1963. وكان في طريقه للمنفى بسلطنة عمان بعد أن اجتاحت مليشيا الحوثي والمخلوع صالح مدينة عدن في مارس 2015.
وكان الرئيس السابق صالح قال في كلمة متلفزة إن هادي ليس أمامه من خيار سوى البحر، لكن تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية قلب الأحداث رأساً على عقب، واستمر هادي في الرئاسة حتى الآن.
أسباب النهايات
المحلل السياسي اليمني الدكتور عبد الله الجوزي يقول إن تولي هؤلاء الرؤساء لمواقعهم ومناصبهم بطرق دموية غالباً، وبعيدة عن الديمقراطية ووسائل الوصول السلمية إلى الحكم، واحد من أهم أسباب هذه النهايات المأساوية.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين”، يضيف الجوزي: “أغلب الرؤساء اليمنيين تولوا مناصبهم في الستينيات والسبعينات من القرن الماضي، وهي مراحل جهل وتخلف علمي وثقافي عاشها الشعب اليمني، لذلك فالجهل الموجود في الشمال والخلاف الحزبي الشديد في الجنوب ساهما في الإطاحة بالرؤساء، وكتابة نهاية دموية لهم”.
وأشار الجوزي، وهو أستاذ في جامعة البيضاء، إلى أنه حتى زعماء المعارضة والأحزاب السياسية كانت نهايتهم مأساوية، مضيفاً: “غياب الاهتمام بآليات بناء الدولة ومؤسساتها وإداراتها عامل مهم، فحتى الديمقراطية والأحزاب الموجودة كلها شكلية، فلم تكن يوماً أحزاباً حقيقية تقوم بواجبها، كما أن التحالفات مع الحاكم كانت وقتية وآنية وتهدف للقضاء على طرف أو حزب”.
وأكد الجوزي أن هذه النتيجة “يشترك فيها الحاكم والبنية المترهلة للدولة والمجتمع والشعب، والدول الخارجية التي لها دور في استمرار هذا المسلسل في ظل وجود الأيدبولوجيات المتلاحقة والموجودة في العمق الشعبي، والتي تسببت في صراعات مخيفة تنتهي بالدم”.
صندوق الذخيرة
بدوره، يرى الأستاذ في جامعة صنعاء، الدكتور عبد الملك الضرعي، أن اليمن يشبه بعض دول العالم الثالث وبعض الدول العربية التي لا تملك الأدوات المعاصرة لإدارة العملية السياسية، والتي تؤدي إلى التبادل المُزمن للسلطة السياسية، والمعروفة بالعملية الديموقراطية بمختلف مراحلها.
وأرجع الضرعي عدم فلاح اليمن في استخدام هذا “الحل السحري (الديمقراطية)” مثل الدول المتقدمة، بل وحتى بعض دول العالم الثالث، إلى الممارسات الديمقراطية “الشكلية” التي خلطت بمدخلات استبدادية شمولية تبقي الحزب الحاكم ورئيسه بشكل مؤبد.
وتابع الضرعي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “هذا يعيق وصول فئات المجتمع الطموحة سياسياً إلى الحكم، فتلجأ لتصفية ما يعتقد أنه الحاكم المؤبد لتحل محله بفعل صندوق الذخيرة لا صندوق الانتخابات، وتستمر هذه الدورة الدموية فمن يوصله صندوق الذخيرة تبعده، ولو بعد زمن، نفس الأداة”.
ويؤكد الضرعي: “هكذا تستمر دوامة الصراع الدموي على السلطة إلى ما لا نهاية، ويستمر في المقابل تصفية الرؤساء قبل التقاعد أو اعتزال الممارسة السياسية”.