أكدت معلومات خاصة أن دولة الإمارات تمارس ضغوطا على التحالف والرئيس اليمني لاستيعاب قوات “طارق صالح” ماليا ضمن موازنة المعركة العسكرية المستمرة ضد الحوثيين منذ أواخر مارس 2015م، وأن الشرعية اليمنية ما تزال ترفض الإقدام على هذه الخطوة، مع استجابتها بالمقابل لمطالب إماراتية أخرى تجاه هذا التيار، وفي المقدمة غض الطرف عن إحياء يوم 11 فبراير الذي كيوم وطني لهذا العام.
ونفت المصادر علمها بأي ضغوطات إماراتية لتغيير حكومة الدكتور أحمد بن دغر، وهو ما يتطابق مع ما ورد مؤخرا في حديث السفير السعودي لدى اليمن على قناة “بي بي سي”.
وتقوم الإمارات بتجميع قوات الحرس الجمهوري وجهاز استخبارات “الأمن القومي” التابعين للرئيس السابق “علي صالح”، وتستقبل العشرات منهم يوميا في معسكرات مخصصة لهذا الغرض في مدينة عدن جنوبي البلاد، وتمارس ضغوطات على الحكومة لاستيعابهم ماليا.
ويبادر “المجلس الانتقالي” وقيادته إلى الترحيب بمنتسبي هذه القوات ويقوم بتأمين مرورهم ووصولهم إلى عدن، فيما تمتنع حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر عن الاعتراف بهذا التيار، وتشترط عليه أن يعترف بشرعيتها أولا، وهو الموقف الذي عبر عن رئيس الحكومة في “13يناير الفائت” بقوله إن “الالتحاق بصف الشرعية الدستورية المنتخبة من الشعب والمسنودة بالتحالف العربي والقرارات الدولية، هو المسار الصحيح لاستعادة الدولة… غير ذلك هو تكرار للخطأ، بل الوقوع في الخطيئة”. ويضيف موجها خطابه إلى هذا التيار بشكل مباشر: “إما أن تكونوا ضد الحوثيين أو معهم. وإذا قلتم ضد الحوثيين فما الذي يمنعكم أن تنصتوا للشعب المقاتل، خاصة وقد قتل الحوثيون أفضلكم”، معتبرا أن “وحدة الصف الجمهوري الوحدوي خلف الشرعية خط فاصل بين الحق والباطل”.
وتدعم السعودية خيار فك الارتباط بين التيار الموالي للرئيس لـ”علي صالح” في حزب “المؤتمر الشعبي” وبين جماعة الحوثي، إلا أن موقفها بشأن آلية استيعاب هذا التيار ما يزال غير واضح بشكل نهائي، ففي حين تمارس الضغوطات على الشرعية اليمنية اتخاذ مواقف إيجابية تجاه هذا التيار، فإنها في ذات الوقت تدعم الشرعية في امتناعها عن الاعتراف به كواحد من مكوناتها السياسية، وأنها تشترط عليه أن يعترف بشرعيتها أولا، ذلك أن إصرار هذا التيار على عدم الاعتراف بشرعية الرئيس هادي والحكومة، يعني أنه لا يعترف بشرعية التدخل العسكري للسعودي ودول التحالف في اليمن، وأنه ما يزال ينظر إلى هذا التدخل بوصفه “عدوانا” يجب مقاومته بقوة السلاح والاقتصاص وأخذ الثأر منه، ويجب محاكمته في أي مكان وزمان.
وتحت هذا العنوان، تبدو هناك جملة من المعطيات في الحديث عن المخاوف غير المعلنة لدى السعودية تتعلق بالتعامل مع هذا التيار وهو خارج إطار الشرعية. وإحدى أبرز هذه النقاط تتمثل في أن الهدف الأول للتدخل السعودي العسكري في اليمن هو إنهاء الانقلاب في صنعاء، فيما انضمام هذا التيار من مؤتمر صالح إلى صفوف المحاربين للحوثي من غير الاعتراف بالشرعية، لا يعني أنه يقاتل لإنهاء هذا الانقلاب الذي جاءت التدخلات السعودية والخليجية لإنهائه، بل لإنهاء انقلاب الحوثي عليه هو، والاستمرار عقب معركة السعودية والتحالف في تمرده وانقلابه على الشرعية.
وإلى هذه المخاوف المتعلقة بواقع ما بعد المعركة، لا يبدو في الوقت الحالي أن السعودية وحكومة الرئيس هادي تملكان أي ضمانات تمنع هذا التيار من التحالف مجددا مع الحوثيين ولو بطريقة غير معلنة، وهو احتمال يزداد توقع حدوثه جراء تنامي قوة هذا التيار عسكريا على يد التحالف وانحسار قوة الحوثي.
ومما يزيد من المخاوف بهذا الشأن، هو أن عداء هذا التيار للحوثيين جراء قتلهم صالح، لا يقارن بعدائه للشرعية ومكوناتها ومن خلفهم السعودية، وهو العداء الذي تشبع به هذا التيار على امتداد سنوات طويلة، ويبدو أنه سيستمر في مراكمته لسنوات قادمة.
وإذا كان من المؤكد أن مقتل صالح قد خلق لدى بعض أسرة صالح شعورا عدائيا شخصيا ضد الحوثيين، فهذا لا يمكن القطع به بالنسبة للبقية من منتسبي هذا التيار، وهو ما يرجح حصول هذا التلاقي بين تيار صالح والحوثي مستقبلا، وتجديد تحالفهما القديم.
تدرك العربية السعودية أن “الحوثي” ليس مشروعا إيرانيا خالصاً، بل مشروع أيضا لأطراف دولية كبرى ضمن مخططها لإعادة تقسيم وصياغة الخارطة في الجزيرة العربية والمنطقة العربية عموما، ولا يستبعد نجاح هذه الأطراف في استخدام تيار صالح كمظلة تحمي به مشروعها الحوثي متى رأت أنها بصدد خسارته وفقدانه. وربما أن هذا يقدم شيئا من التفسير لتوجه هذه الأطراف نحو مطالبة السعودية والتحالف لاستيعاب هذا التيار بشروطه، والضغط في سبيل ذلك بحجة الحفاظ على “الحرس الجمهوري” واستخبارات “الأمن القومي” كقوة أمنية وعسكرية تولت الولايات المتحدة تأسيسها.
وتتعزز هذه المخاوف بالتجربة القاسية التي عاشتها السعودية خلال عقد من الزمن ظلت تقدم فيه الدعم السخي لـ”علي صالح” من أجل إخماد الحوثيين، لكنها تفاجأت لاحقا أن “علي صالح” كان يتظاهر بعداء الحوثي، فيما هو يستخدمه ورقة ابتزاز للسعودية، وظل -رغم تلك الحروب في صعدة- يخفي معه تحالفا لم يعلن عنه رسميا إلا عقب انطلاق العمليات العسكرية السعودية في اليمن في 26 مارس من العام 2015م.
المرصد بوست