“حامل المسك وبائع العطور”.. قصة مُسن يمني اشتهر في ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، انتهى به المطاف في سجون مليشيا الحوثي، دون أي ذنب يذكر سوى خروجه إلى جانب ملايين اليمنيين ممن ينشدون التغيير ويأملون بمستقبل أفضل لأولادهم.
وتواصل مليشيا الحوثي، إخفاء الحاج “يوسف الريمي” البالغ من العمر 73 عاماً، منذ اختطافه من أحد الأسواق، بأمانه العاصمة صنعاء، قبل ثلاثة أعوام.
مصادر مقربة من أسرة الريمي تقول إن مليشيا الحوثي اختطفته وأخفته قسرياً اثناء خروجه لشراء متطلبات البيت من سوق مذبح، ولم يعد بعدها.
لم يكن الحاج “الريمي”، المعروف بـ “حامل المسك وبائع العطور” في ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية يعلم أن مآلات التغيير في اليمن ستنتهي به بين قضبان مليشيا الحوثي، وأن اليمن سيسير نحو التفكك، وسلطة مغتصبة من جماعة مسلحة تدعي تمثيل الشعب اليمني بمختلف مكوناته ومشاربه السياسية والثقافية المختلفة.
حامل المسك
ويعد بائع العطور من أبرز الوجوه والأصوات خلال الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية السلمية في صنعاء المطالبة برحيل علي عبدالله صالح وإسقاط نظامه الفاسد.
منذ انطلاق ثورة 11 فبراير لم يفارق الرجل السبعيني ساحة التغيير في العاصمة صنعاء، وكان يتقدم المسيرات بروح شبابية مرحة مليئة بالإيمان والثقة بغدٍ أفضل، ودولة مدنية حديثة تكفل الحياة والكرامة والعيش الرغيد للمواطن اليمني.
كل شباب الثورة في ساحة التغيير يعرف العم “الريمي”، بكوته الأحمر وسجادته التي كان يضعها على كتفه، ذو الروح المتقدة، المفعمة بالأمل، وكان يشد على أيدي الشباب، يبشرهم بيمن جديد ومستقبل أفضل مستقرٍ خالٍ من الفساد، ينتهج المدنية والديمقراطية كوسيلة حضارية وسلمية لتداول السلطة.
لم يكن الحاج الريمي يدرك أن من كانوا يسمون أنفسهم شركاء في ثورة التغيير ممن يحلمون بالعودة إلى ماضيهم الرجعي البغيض (الحوثيون) يتربصون بكل يمني ينادي بدولة مدنية تكفل الحياة والكرامة لليمنيين، ومنعاً لتحويل اليمن إلى ملكية خاصة لأسرة أو قبيلة أو سلالة.
ها هو الريمي يواصل عامه الثالث مخفيا في سجون مليشيات الحوثي، تاركا زوجته و10 أطفال ينتظرون عودته أو من يطمئنهم عن حالته خصوصاً وهو يعاني من عدة أمراض مزمنة، ذنبه الوحيد أنه اعتكف في ساحة التغيير وكان يحلم بدولة مدنية حديثة ومستقبل أفضل لأولاده.
ويقبع الآلاف من المختطفين في سجون المليشيا، حيث تتعمّد الجماعة، إخفاء مصير المئات منهم، ومنع عائلاتهم من زيارتهم أو الحصول على أخبارهم.
وعمدت مليشيا الحوثي منذ اجتياحها للعاصمة صنعاء 21 سبتمبر/ أيلول 2014، بالتعاون مع حليفها المخلوع علي عبدالله صالح، على اختطاف وملاحقة كل رموز ثورة 11 فبراير من سياسيين وناشطين وحقوقيين، في مشهدٍ يجسد مدى انتقام المليشيا من الثورة نفسها.
ثورة 11 فبراير
وفي الشأن ذاته اعتبر المحامي عبدالرحمن برمان، وهو مدير للمركز الامريكي للعدالة (ACJ)، اعتقال مليشيا الحوثي للحاج الريمي وإخفاءه قسرا منذ ثلاث سنوات، انتقام لثورة 11 فبراير.
وقال برمان في حديث لـ”بلقيس” إن مليشيا الحوثي انتقمت من رموز ثورة 11 فبراير وفجرت منازلهم، وقتلت بعضهم وصادرت أموال الكثير منهم، والعم يوسف الريمي هو واحد ممن تعرضوا لهذه الانتهاكات.
وتساءل المحامي برمان قائلا: ما الذي ستستفيد منه مليشيا الحوثي من اعتقال شخص مسالم ورجل مسن عمره يقترب من 75 عاما، وما الذي ستحققه هذه الجماعة من اعتقالها شخصا لا ينتمي إلى تيار سياسي أو جهة سياسية لا يشكل عليهم أي خطورة، شخص عادي يعمل من أجل إعالة 10 أطفال وزوجه؟.
وأضاف أن “ممارسة الجريمة والظلم عند مليشيا الحوثي أصبحت منهج يومي لا تضع المليشيا اعتبارا لأي قيم أو حدود أو تقاليد للمجتمع اليمني”.
وتابع المحامي اليمني قائلا: “كل دول العالم تحترم حقوق الأطفال والمسنين، حتى وقت الصراعات تسعى كل أطراف الصراع إلى تجنيب الأطفال الصراعات، لكن مليشيا الحوثي تنتهك حقوق الأطفال وتختطفهم بل وتزج بهم في جبهات القتال، وهو الأمر ذاته في كبار السن، كما هو حاصل في حالة الحاج “الريمي”، الذي لا يشكل عليهم أية خطورة، يعمل في بيع العطور لإعالة أسرته”.
وبحسب برمان فإن مليشيا الحوثي بهذه التصرفات تريد أن تبعث رسالة إلى المجتمع اليمني مفادها “سنتعامل بوحشية، لا قيم لدينا، لا خطوط حمراء، لا اعتبار للمسنين أو الأطفال أو المرأة”.
ووفقا للمحامي برمان فإن أسرة الريمي ذهبت خلال الثلاث السنوات إلى كل أماكن الاحتجاز التابعة للمليشيا في صنعاء التي تتوقع أن يكون موجود فيها، بما فيها سجن الأمن السياسي وسجن الأمن القومي والسجن الحربي، والمليشيا لا تزال تنكر وجوده، لكن سجناء خرجوا من سجن الأمن السياسي قبل سنة أكدوا وجود الريمي هناك، حد قوله.
وأد الثورة
الناشط السياسي محمد المقبلي أحد شباب ثورة 11 فبراير، بدوره قال إن “مليشيا الحوثي تختطف كل من له علاقة بالثورة بالذات فبراير، كون الثورة فعل حرية”.
وفي حديثه لـ “بلقيس” ذكر المقبلي أن العم الريمي أحد الذين كان لهم حضور في واحدة من أعظم ثورات الشعب، مشيرا إلى أن مليشيا الحوثي تخشى الذين كانوا رموزا لتحرير الناس من الخوف والتظاهر من الشارع مرة أخرى.
ويتابع: “مليشيا الحوثي تعتقد أنها باختطافه واختطاف غيره ستمنع الشعب من أن يجد طريقه مجددا إلى الشارع، وهذا لن يتم، فحينما يفيض النهر لن توقفه أي قوة”، وفق تعبيره.