يتداول أبناء ريمة عبارة شهيرة للراحل علي عبدالله صالح، مفادها أنه قبل سنوات قام الرجل بزيارة لمنطقة الحسينية ومديرية عتمة بمحافظة ذمار، وحين رأى مرتفعات ريمة لوّح بيده وقال ساخراً: “وانتي يا ريمة تحية”.
بعيدا عن صحة العبارة من عدمها فمدلولاتها تلخص عقودا من الزمن لم يعرف خلالها أبناء تلك البلاد المنسية من الثورة والجمهورية غير الاسم وقطعة القماش.
ظلّت ريمة لعقود خارج اهتمام القيادة والقرار، حيل بينها وبين حقها في السلطة والثروة وخارج تغطية الخطط والبرامج التنموية التي لم يعرف الريميّون -مصطلح لأبناء ريمة- منها غير الأرصفة التي يفترشون فيها بسطاتهم وعربيّاتهم المتجولة، هذا العمل الشريف تحوّل للأسف إلى منقصة ومحلا للسخرية والتندر بكل ريمي..!
كانت الجمهورية تتقاضى منهم الضرائب والرسوم والجبايات وتبادلهم بصميل وصلف “البلدية”.
قبل عام 2004 كانت مديريات ريمة مُشتتة بين المحافظات المجاورة، تابعة لمحافظة صنعاءإداريا، وللحديدة قضائيا وتموينيا وبعض الخدمات لذمار.
في أول أيام ذلك العام كان صالح يحلق فوق السحاب؛ متسلقا في أعالى مرتفعات ريمة المطلة على امتداد الساحل غربا على ارتفاع يفوق 2000 متر عن سطح البحر، وفي جبينها وقف خطيبا ليُعلن ريمة محافظة، لتكون المحافظة اليمنية رقم 21. استبشر أهلها بالقرار علّه يعوضهم بعض الحرمان والتهميش، تجلى الاستبشار في قصيدة مطوّلة للشاعر البرلماني مفضل الأبارة ألقاها يومذاك وقال بسقف عال من الطموحات “كوني محافظة يا ريمة الأمل”.
أعلن صالح يومها حزمة من المشاريع أهمها الطرقات تم تنفيذ بعضها وتعثّرت البقية مع دخول صالح في حرب مع الحوثيين في صعدة، كانت الحرب شماعة لتبرير توقف مشاريع البنى التحتية والخدمات، ولأسباب أخرى يعرفها الراسخون في دهاليز السياسة، ليستمر الوضع على حاله مع تحرك جزئي في تنفيذ مشاريع الطرق والتعليم والصحة لتكون بعد ذلك دعاية انتخابية ضمنت لعلي صالح فوزا غير مستحق في رئاسية 2006.
خلال حرب صالح مع الحوثيين تدافع أبناء ريمة نحو جبال صعدة وعمران وحجة للدفاع عن الجمهورية، وأتذكر جيدا أني رأيت سيارات الاسعاف لأول مرة وسمعت كغيري أصواتها المفزعة التي كانت تصل المنطقة حاملة العشرات من جثامين الجنود وبعض الضباط الذين قضوا في حرب معقدة لم تخل من مخطط لاستنزاف الجيش الوطني لصالح الجيوش الموالية للفرد والعائلة ومشروع التوريث والاستبداد.
فعل الريميّون السلوك ذاته قبل ذلك في حرب صيف 94، ومن قبلها في صنع أحداث الثورة ضد الحكم الإمامي وفي معارك الدفاع عن الجمهورية في ستينات القرن الماضي وصولا لمعركة فك الحصار عن صنعاء، قدّموا في سبيل أهدافهما تضحيات ثمينة.
في الثمانينات الماضية كانت ريمة ساحة لمعركة مركبة عنوانها جبهة قومية تديرها شيوعية وعلمانية عدن جنوبا ورجعية يمينية تديرها جمهورية صنعاء شمالا، اكتوت المنطقة بنيران حرب لا ناقة لها فيها ولاجمل، حرب عابرة للقارات بين اشتراكية شرق الكرة الأرضية ورأسمالية غربها وحلفائهما في المنطقة، دفع ثمنها عشرات من أبناء ريمة قتلى ومعاقين وأبرياء أزهقت أرواحهم وتدمير واحراق بيوت ونهب ممتلكات، خلفت أوجاعا ومظالم وأضرار لم تُجبر. أُهملت جميعها دونما تعويض من يمين أو يسار لتظل ذكرى مؤلمة عالقة في الأذهان.
طوال 3 عقود من حكم صالح كان انتساب الريميّين لمؤسسة الجيش والأمن وكلياتهما مستحيلا، والمحظوظون ممن تجاوزوا التعقيدات والموانع الجغرافية والمذهبية والمناطقية ظلّوا مجرد جنود عليهم طاعة الأوامر، والضباط -وهم قليلون- بقوا بلا عمل ولا صلاحيات باستثناء مناصب هامشية محدودة لا علاقة لها بالقيادة والقرار.. لم نسمع مثلا بريمي يقود منطقة عسكرية أو محورا أو لواء أو في هيئة رئاسة أركان الجيش أو مديرا لدائرة بوزارة الدفاع، وإن حدث -ولا أظنه حدث- فقد كان ضربة حظ والنادر لا حكم له.
في منطقته كان على الريمي أن يأتمر لمدير عام ويحتكم لقاضي ومدير أمن من خارج محافظته، عليه أن يدفع الزكوات والضرائب والاتاوات والرشوات لمسئولين من خارج المحافظة.
في المقابل لم يكن الريمي المؤهل والمتعلم صالحا في عهد صالح وغير صالح لأن يكون وزيرا أو سفيرا أو محافظا أو قاضيا أو مديرا داخل أو خارج منطقته. حين انشأ المحافظة جاء لها صالح بمحافظ من شبوة ووكيل من صنعاء!!.
بلغ الضيم درجة مفزعة، حد أن تجد مثلا وزارة بديوانها العام واداراتها ومكاتبها وفروعها ومؤسساتها لا تجد فيها موظفا ريميا واحدا، وقس على ذلك. ظل الريمي خارج الجهاز المالي والاداري للدولة.
*2وزراء و2محافظين*
في مراحل مختلفة من تاريخ الوطن كان الريمي يحضر عند المغرم ويُغيّب عند المغنم. قد لا يصدق الكثيرون مثلا أن خمسة عقود ونصف (55 عاما) مضت تعاقب فيها 6 رؤساء على حكم البلاد لم يصل خلالها ريمي لمنصب (وزير، محافظ، سفير) فضلا عن المناصب الأعلى، الاستثناء حدث لمرتين فقط، واحدة في عهد الرئيس الإرياني والأخرى في عهد صالح، تلك الحالتين كانتا في وزارات غير سيادية.
أحد الاستثناءات، هو اللواء الركن المناضل يحيى مصلح، كأول ريمي وصل لمنصب وزير ومحافظ أيضا، عيّنه الرئيس الإرياني في آخر أيام حكمه وزيرا لوزارة التموين والتجارة في حكومة حسن مكي التي لم تدم طويلا، وكان قد عينه قبلها قائدا للواء صعدة.. وفي عهد الحمدي تم تعيين مصلح محافظا لذمار ثم إب ثم محافظة صنعاء قبل أن يأتي صالح ويبعده سفيرا في تشيكوسلوفاكيا وبعدها في قطر قبل أن يعيده محافظا لصعدة ثم لذمار، ليكون مصلح الريمي الوحيد الذي يتعين محافظا خارج محافظته في عهد صالح، قبل أن ينهي صالح حياة وحضور الرجل، مصلح، ويحيله مبكرا إلى التقاعد ثم تم تعيينه مستشارا لمجلس الرئاسة ثم مستشارا لا يستشار لمكتب رئاسة الجمهورية، ثم أُحيل للمعاش بدرجة رئيس وزراء، لينتهي تاريخ الرجل في منزله ويكون الريمي الوحيد يحصل على هذه الدرجة الشكلية/الفخرية.
السياسي المخضرم البروفيسور عبدالملك منصور، هو الاستثناء الآخر، وهو الريمي الوحيد الذي وصل لمنصب وزير في عهد صالح ولمدة محدودة ولدوافع ومعايير غير وطنية، عينّه صالح وكيلا لوزارة التربية والتعليم ثم نائبا لوزير الأوقاف والإرشاد، ثم مستشارا لرئيس الجمهورية، ثم رئيسا لدائرتين في الامانة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام ثم أمينا عاما مساعدا للحزب ثم عضوا في مجلس الشورى، ثم وزيرا للسياحة والثقافة قبل أن يتم الاستغناء عنه وإبعاده من البلاد بتعيينه سفيرا في تونس، ثم مندوبا دائما لدى جامعة الدول العربية، قبل أن يعزله صالح من منصبه ويستبدله ويقطع راتبه عقب اعلانه الانضمام لثورة فبراير 2011، لتنتهي به مسيرته النضالية خارج الوطن..!
المؤلم أن نظام ما بعد صالح لم يلتفت إلى الرجل ويُعيد له اعتباره المسكوب على عتبة ثورة أكلت بعض رجالها.
موضوع وكلاء الوزارات شجون آخر، طوال حكم صالح تم تعيين وكيل وزارة واحد، في الأعوام الأخيرة من عهده وآخر وكيلا مساعدا. العجيب والأغرب أن الرئيس هادي خلال عامين من توليه الحكم التوافقي في فبراير 2012 أصدر أكثر من 100 قرار لوكلاء ومستشارين في الوزارات. من بين درازن قرارات الوكلاء التي أصدرها هادي، وهي قد تؤهله لدخول موسوعة غينيس، تم تعيين 2 وكلاء فقط من ريمة، في وزارتي المالية والتخطيط والتعاون الدولي.
*البحث عن هوية*
في كل منعطف تاريخي تشهده البلاد يهب أبناء ريمة تلبية لنداء الوطن والواجب باحثين عن هوية وطنية ومواطنة متساوية علّهم يستعيدون تراثهم وتاريخهم ومكانتهم اللائقة والمستحقة ويطوون أعواما ألقت بهم في مكان سحيق.
اندلعت ثورة فبراير 2011 ضد مشروع التوريث والاستبداد وهرّول الريميّون نحو ساحاتها وميادينها في مختلف المحافظات، وفدوا أهدافها بعدد من خيرة رجالهم شهداء ومعاقين وجرحى.
حدثت تغييرات طفيفة في موازين القوى وحركة بطيئة في خارطة التحالفات والصراع، لكنها كالعادة لم تكن في مصلحة أبناء ريمة مثلما لم تكن في مصلحة كثير من المحافظات. محافظ ريمة اللواء الخضمي نجحت صداقاته مع القصر القديم الجديد في ابقائه في منصبه، ولم يُحدث النظام التوافقي أي تغيير في قيادة المحافظة. ظلت ريمة خارج تغطية المحاصصات في حكومتي باسندوة وبحاح، وحتى تمثيل المحافظة في مؤتمر الحوار الوطني كان دون المستوى، ومثله في المجلس الوطني للثورة، ومن قبله تنظيمية ومنسقية الثورة.
فور انقلابهم على الشرعية في سبتمبر 2015 جلب الحوثيون “مشرف صعداوي” ليكون حاكما لريمة، ومشرفون من ذمار قاموا بقتل قيادي حوثي من بيت الأهدل بريمة حاول الإمساك بزمام عاصمة المحافظة، ومؤخرا عين الحوثيون فارس الحباري، من أرحب صنعاء، محافظا لسلطة الأمر الواقع، بما ينم أن حوثي ريمة من الدرجة الثالثة في نظر حوثي صعدة وصنعاء.
*عهد الشرعية*
ذهب عهد صالح، بسلبياته وايجابياته، ومثله سابقوه، نتحدث عن الحاضر، نحن رجال اليوم.. اليوم الذي نريده.
كان الريميّون من أوائل من انخرطوا في صفوف مقاومة الحوثي في مأرب وبقية المحافظات، وحين فُتحت أبواب الجيش الوطني في صحراء العبر بحضرموت كان ضباط وجنود ريمة أول الواصلين ليشاركوا في وضع قواعد اعادة بناء وتموضع الجيش للتحيز لمواجهة الحوثي، وأفضى كوكبة من ضباط ريمة في حادثة قصف العبر التي استهدفت مقر رئاسة أركان الجيش. بينما ينام خيرة الرجال تحت تراب الوطن.. يقف شجعان ريمة شامخين في كل صحراء وسهل وساحل وجبل ووادي على امتداد الخريطة اليمنية، يتطلعون مثل سائر اليمنيين إلى مستقبل أفضل وبناء دولة اتحادية بأقاليمها الستة تضمن العدالة والشراكة في السلطة والثروة. تتغير معادلة القوى والنفوذ ولكن لغير مصلحة الوطن، يجني البعض مكاسب من الحرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا والبعض عليه الخسارة.
مبعث القلق أنه وخلال 3 أعوام مضت لا تزال ريمة خارج المحاصصة، لم نسمع عن تعيين وزير أو وكيل أو سفير من ريمة، وإذا بحثنا في تشكيلات الجيش والأمن سنجد ريميا يتيما يقود لواء في الجيش الوطني وآخر مديرا لدائرة غير ذات أهمية بوزارة الدفاع.
من المعيب على القيادة السياسية ممثلة بالرئيس هادي ونائبه ورئيس الحكومة أن نرى الماضي الذي يقاتل اليمنيون للانعتاق منه يتكرر تارة أخرى. قيادة الأحزاب السياسية، يمين ويسار، مسئولة وطنيا واخلاقيا وتاريخيا عن ضرورة تغيير نهج الأحادية والازدواجية والتهميش.
الأنظار اليوم تتجه نحو ريمة مع اقتراب استكمال تحرير الحديدة والساحل الغربي، المحزن أن الرئاسة والحكومة ومسانديها لم يقرروا بعد كيفية دخول الشرعية إلى ريمة.
المواطن يترقب وصول الشرعية كدولة، ينتظر صرف رواتبه ومشاريع الاغاثة، وقبل ذلك ينتظر الأمن والاستقرار وعودة مؤسسات الدولة والخدمات الاساسية، هذا لن يتأتى ما دامت القيادة الشرعية لا تريد ذلك.
اكتفى قصر هادي بتعيين محافظ لريمة قبل أشهر دون توفير امكانيات، وقبل أيام عين وكيلا مساعدا للمحافظة لشئون الشباب!. حتى هذه الساعة لم يتم تعيين قيادة السلطة ومكاتبها التنفيذية للمحافظة، كما لم يتم تعيين قيادة عسكرية وأمنية مع أن الواجب أن تكون التشكيلات والاستعدادات العسكرية والامنية جاهزة منذ أشهر وبامكانات كافية!.
بالمختصر، لا يزال ملف محافظة ريمة مركونا في هامش مكتب الرئيس هادي مع سبق الإصرار والتعمد.
*العنوان مقصود به الرقم المخصص لمحافظة ريمة في لوحات ترقيم السيارات والمركبات