ليست الحرب وحدها من تحصد أروح المئات من اليمنيين الأبرياء، فوباء السرطان هو الآخر يمعن في تعميق جراح مجتمع بات يواجه أصعب أنواع الوفاة.
تسببت الحرب، التي تدور رحاها في واحدة من أكثر بلدان الشرق الأوسط فقراً، في قطع الدواء عن مرضى السرطان، وأتاحت له العبث بأرواح المصابين، ودّع كثيرون منهم الحياة، فيما البعض الآخر يترنحون بين الأمل بالشفاء وإن كان بنسبة ضئيلة، وبين تفضيل الموت على وجع يجعلهم يموتون سريرياً.
تشكو المؤسسات اليمنية العاملة في مجال مكافحة للسرطان من شحة الإمكانيات وعدم توفر الأدوية الكيميائية، وندرة الخبراء المتخصصين في مجال الأورام، ما صعّب مهامها في مواجهة الوباء القاتل.
وتقول المؤسسات إن مجموعة من الخبراء الأجانب غادروا اليمن بسبب الحرب، وأصبح مرضى السرطان يواجهون كارثة كبيرة، وفي حال استمرت الحرب فإنها ستدفعهم إلى إغلاق بقية هذه المؤسسات، فيما يبقى السرطان كارثة تضاف إلى الكوارث التي يعيشها اليمنيون.
طلاق بسبب السرطان
تقول “سلوى عبده”، ومريضة تنتمي إلى منطقة “حراز” غربي صنعاء، إنها أصيبت بالسرطان في يدها اليمنى ابتداءً، وأخفت هذا عن زوجها، وبقيت على هذا الحال مدة طويلة تتعالج بالأعشاب حتى أثر عليها تعاطي الأعشاب وفجأة تورمت يدها انخفض وزنها إلى ما يقارب 50 كيلو.
وتسرد لمراسلة “يمن مونيتور”، وعيناها تفيض بالدموع، رحلتها مع هذا الوباء، فبعد أن “ساءت حالتي الصحية، أسعفت إلى صنعاء وكانت الفاجعة حين أظهرت الفحوصات إصابتي بالسرطان”.
تتابع “سلوى”، وهي تبكي بمرارة، “الفاجعة الكبرى هي أن زوجي بعد أن علم أني مصابة بالسرطان أعلن تخليه عني، وطلقني، رغم أن لديه مني طفلان”.
وأضافت، “قرر الأطباء في المستشفى الجمهوري بـ”صنعاء” بتر يدي اليمنى من أجل استئصال الورم الخبيث، وهي الآن تعيش مع والديها الذين وصفت وضعهم المادي بـ”الصعب”، ولولا المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان التي تكفلت بإعطائي العلاج الكيماوي لما استطعت أن اقاوم هذا الداء الخطير”.
تشتكي “سلوى” من أن “الحرب الدائرة في اليمن جعلت المؤسسة في كثير من الأحيان لا تستطيع توفير العلاج الكيماوي لها، ما يجعل أسرتها يضطرون لبيع ما لديهم من أجل توفير العلاج”.
زوجة مصابة وزوج عاطل
“مريم ناصر”، أم لسبعة أطفال، وزوج عاطل عن العمل، هي الأخرى تعاني من مرض السرطان في العنق.
تقول “مريم”، لـ”يمن مونيتور”، إن “زوجها لم يستطع إسعافها إلى صنعاء عندما علمَ أنها مصابة بالسرطان، ولولا أصحاب قريتها في “موزع” بتعز، وسط البلاد، الذين جمعوا لها معونات تفي بإيصالها إلى صنعاء، لكانت طريحة الفراش تعاني من هذا المرض الخبيث”.
وتضيف، “أن مؤسسة السرطان تكفلت بإعطائها العلاج الكيماوي، وهي الآن تتابع ذلك منذُ شهرين ونصف”.
الحرب تضاعف معاناة المرضى
من جهته، يرى مدير إدارة الإعلام بالمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان “عبدالمنعم الشميري”، أن المؤسسة كانت قد تحسنت كثيراً في الأعوام الماضية، وكانت الأمور تسير نحو التطور الإيجابي، وكنا نسعى أن يكون كل عام أفضل من سابقيه.
وأضاف في حديث مع “يمن مونيتور”، “لكن بدأ العد العكسي من منتصف العام 2014 تقريباً، وبحلول العام 2015م تعثرت الكثير من المشاريع، وبرغم استمرار الخدمات التي تقدمها المؤسسة لحوالي (15.000) مصاباً، إلا أننا بتنا خائفين من توقفها، وانتكاس طموحاتنا وأحلامنا بغد أفضل لمرضى السرطان”.
وأشار إلى أن “الأوضاع تعقدت أكثر، وصارت كما نراها اليوم، لم يعد بعيداً أن تنتهي كل تلك الآمال التي بينت منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة، ويعود مريض السرطان إلى ما قبل تأسيس المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان”.
وتابع، “لكي نتجنب الأسوأ لابد من توقف الحرب وتبعاتها، وأن تلتفت الدول والهيئات والمنظمات المانحة لمريض السرطان في اليمن، وإلى معاناته الكبيرة، وأن يدرك المجتمع خطورة قضية السرطان ويساهم بجد في مواجهتها”.
وتطرق “الشميري” إلى ما حصل لمركز “الأمل” التابع للمؤسسة في تعز من تدمير بسبب الحرب، واتلفت ما كان موجود بداخله من أدوية؛ وبعد أن كان يقدم خدمات متكاملة لقرابة خمسة آلاف مريض بالسرطان، لكن بعد التدمير للمبنى وبعد مشقة استطعنا أن نجهز بشكل سريع مقر مؤقت وبديل لاستقبال المرضى خاصة ذوي الحالات الحرجة”.
وحذر “الشميري” من أن المؤسسة “قد لا تستطيع الاستمرار في صنعاء ولا تعز ولا عدن ولا أي محافظة، إذا لم يتغير الوضع وتتحسن الأمور وتنتهي الحرب، لأن إيرادات المؤسسة شبه متوقفة، وتضاعفت علينا أسعار الأدوية والعلاج والتشخيص وكل الخدمات، وانعدم الكثير منها، ونحن اليوم نجاهد لأجل المريض في ظل ظروف بالغة التعقيد ولكي نظل موجودين ولنوقد حتى شمعة في ظلام دامس يعيشه مرضى السرطان”. حد قوله
وختم بالقول: “حتى تنجلي الغمة عن الوطن، لا بد من تدبير تمويل بديل يفي حتى بأقل الاحتياجات، ولا بد أن يعي المجتمع بكل فئاته أن التواني والإهمال وعدم المبالاة وعدم الجد في مساندة المرضى والمؤسسة قد يؤدي لنتائج كارثية”.
صعوبات أخرى
يقول مدير المركز الوطني لعلاج الأورام “عفيف النابهي”، إن غياب الدواء في المركز بسبب الظروف التي تعيشها البلد يؤدي إلى عدم أخذ العلاج الكيميائي والإشعاعي في وقتهما المحدد، ما يعرض المريض لمخاطر انتكاسة قد تؤدي للوفاة.
ويلفت “النابهي”، إلى وجود “مشكلة تواجه المركز بعد مغادرة ثلاثة إخصائيين من اليمن كانوا يعملون في أقسام مهمة كالراديو لوجي “الطب الإشعاعي” والأشعة التشخيصية حيث كنا نعتمد عليهم اعتماداً كلياً بعد أن تم تدريبهم في أكثر من دولة في العالم”.
وأضاف أن “المشكلة الأخرى التي واجهها المركز أثناء الحرب هي إخلاء القسم في الدور الأخير من المبنى من المرضى خوفاً من راجع الرصاص بعد تكرر سقوطه عليه، ونعمل على إعادة تشغيله لكن نقص كادر الممرضين وتوقف الموازنة التشغيلية للتوسعة يمثل عائقاً كبيراً.
إضافة إلى صعوبات تحرك المرضى من مختلف المحافظات إلى أمانة العاصمة وما يترتب عليه من عدم تلقي المرضى العلاج في وقته المحدد ولذي يؤدي إلى تعرض المريض إلى نكسة في المرض قد تؤدي إلى خطر الموت. حسب النابهي.
وأوضح أن “مديونية المركز للشركات بلغ مليار وخمسمائة مليون ريال، وشركات الدواء تطالب بمستحقاتها وموازنة المركز لعام 2015م تكفي لتغطية ثمن أدوية ستة أشهر من عام 2016م فقط”.
أعداد المصابين في تزايد
وعن الحالات التي يستقبلها المركز يومياً، أشار “النابهي” إلى أن “المركز يستقبل يومياً 100 إلى 120 حالة في العيادة الخارجية، وفي الإعطاء الخارجي (أي العلاج الكيميائي لفترة قصيرة 2-4 ساعات) 100 حالة، وفي قسم العلاج بالإشعاع تضائل من 150 الى 100 حالة يومياً، إضافة لأعداد كبيرة جداً من المرضى للفحوصات المختلفة في المختبر والتلفزيون، وما خفف العبء علينا هو وجود وحدة للأورام في مستشفى الثورة وأخرى خاصة بالأطفال في مستشفى الكويت وفروع المركز في المحافظات (مركز الأورام في عدن والمكلا وسيئون) إضافة الى فروع المؤسسة الوطنية في تعز والحديدة وإب”.
وذكر “النابهي” انه منذ بداية عمل المركز رسميا في عام 2004 وحتى الآن يصل عدد المصابين إلى أكثر من 46 ألف إصابة جديدة”، مؤكداً أن “المركز لم يتلقَ دعماً من أي منظمة سوى منظمة الصحة العالمية التي تدعم في شراء العلاجات الكيميائية وغيرها لمرضى السرطان في اليمن والتي تكلف ملايين الدولارات”.
ودعا “النابهي”، بقية المنظمات للتفاعل مع ما يعانيه مرضى الأورام ودعم المركز الذي يوفر الأدوية على مستوى الجمهورية.