من البديهيات أن استقرار اليمن ودعم حكومته الشرعية هو الهدف الأول لدول التحالف العربي. وبعد مرور عام على انطلاق «عاصفة الحزم» لمواجهة الانقلاب «الحوثي» المسلح، اعتبر العديد من المراقبين والمتحدثين لوسائل الإعلام أن التدخل الخليجي العربي في اليمن كان ضرورة حتمية، وأن المسارعة إلى وأد الفتنة «الحوثية» وخطابها الطائفي، أنقذت اليمن من الدخول في دوامة حرب أهلية طاحنة، كانت مرشحة للبقاء سنوات طوالاً، وكانت اليمن ستتحول إلى صومال آخر في جنوب الجزيرة العربية.
وبعد عام على انطلاق «عاصفة الحزم» بقيادة المملكة العربية السعودية، تتجه أنظار المراقبين إلى ما ستسفر عنه جلسات الحوار القادم بين الحكومة الشرعية اليمنية والمتمردين «الحوثيين» ومن يتحالف معهم الذي من المرجح أن تستضيفه العاصمة الكويتية في الثامن عشر من الشهر الجاري، بالتوازي مع وقف مرتقب لإطلاق النار يسبق حوار الكويت وبترتيب أممي ورعاية خليجية، بعد أن فشلت جلسات سابقة انعقدت في جنيف، بسبب تعنت «الحوثيين» وعجزهم حينها عن التفاوض بمعزل عن الارتباك، وعن انتظارهم المتكرر والمكشوف للمشورة الإيرانية التي أوقعتهم في أكثر من فخ، منذ نشوة انقلابهم الفاشل وزحفهم المتهور على المدن اليمنية التي تحررت أغلبيتها على يد المقاومة اليمنية والجيش الشرعي المدعوم بقوات التحالف العربي بقيادة السعودية، وبمشاركة إماراتية عسكرية وإغاثية مستمرة.
الجديد في الملف اليمني، أن المتغيرات العسكرية على الأرض تسارعت لصالح الشرعية، وأفضت إلى انهيار «الحوثيين» في مختلف الجبهات، فيما تأجل زحف قوات الشرعية على العاصمة صنعاء في انتظار قرار سياسي من حكومة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، بعد أن وصلت طلائع الجيش الوطني اليمني من محافظة مأرب إلى تخوم العاصمة صنعاء قبل أسابيع.
وفي ما يشبه الاستسلام غير المعلن، أرسل «الحوثيون» أكثر من وفد إلى السعودية، آخرها قبل أيام، وأعلنوا بأنفسهم إطلاق المملكة عدداً كبيراً من «الحوثيين» الأسرى، كما وافقوا على نزع الألغام بالتوازي مع توقف الاشتباكات على الشريط الحدودي مع المملكة.
وعلى صعيد مكاسب قوات الحكومة الشرعية على الأرض، تواصلت حتى الخميس الماضي الانتصارات المدعومة من قبل التحالف العربي، وسقطت مناطق جديدة واستراتيجية في محافظة الجوف اليمنية المحاذية لمحافظة صعدة التي تعد المعقل الأول لـ «الحوثيين». التوقعات التي تسري في أوساط المهتمين بمتابعة الملف اليمني، تتجه إلى القول إن مرحلة الحزم العسكري أتت ثمارها وحققت أهدافها الأساسية المتمثلة في لجم وتيرة العنف، وكسر الأطماع «الحوثية» بالسيطرة على الحكم بالقوة، وأن اليمن نتيجة للجهود العسكرية الناجحة، يتجه الآن إلى مرحلة الحسم السياسي وإعادة الأمور إلى نصابها والانتقال إلى ما بعد الانقلاب «الحوثي»، وهو استعادة الدولة اليمنية ومؤسساتها، وانتهاء مرحلة الفوضى.
من المستجدات كذلك الالتفات الجاد من قبل الحكومة اليمنية الشرعية لتصفية جيوب التطرف والخلايا «القاعدية» و«الداعشية» في المحافظات المحررة، وعلى رأسها مدينة عدن التي شهدت صحوة أمنية أدت إلى استعادة مقرات رسمية وأحياء كانت توجد فيها خلايا إرهابية مسلحة.
إضعاف الحوثيين عسكرياً ودفعهم إلى القبول بالحوار، وضع دول التحالف العربي أمام مهمة جديدة، تتركز في تهيئة الجغرافيا اليمنية للتعاطي مع المسار السياسي، وإزالة العقبات الأمنية التي تشكل عائقاً أمام أجهزة الحكومة الشرعية في المستقبل القريب، وعلى رأسها المخاوف من البؤر «الداعشية»، وعناصر ما يعرف بأنصار الشريعة الذين استغلوا تمدد «الحوثيين» وسيطروا على مساحات ومديريات في محافظاتي أبين وحضرموت، على وجه التحديد. وفي هذا المحور الأمني، تلقت المجموعات الإرهابية خلال الأسبوعين الماضيين ضربات جوية مباغتة، نجحت في القضاء على العشرات من عناصرها.
وعلى خلفية هذه التطورات، يبدو أن العجلة تدور باتجاه فتح أبواب السياسة من جديد في هذا البلد الفقير الذي أدخله «الحوثيون» منذ عام في نفق مظلم، ولم يجنوا شيئاً من وراء مغامرتهم سوى إثارة الانقسام والطائفية والزج بالمراهقين والأطفال إلى معاركهم الخاسرة.
وبالنسبة لمرحلة ما بعد «الحوثيين» وحليفهم المهووس بالزعامة والخطابة، يبدو حال اليمن أفضل من سوريا وليبيا، من حيث وجود خارطة طريق واضحة، وهي نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي اقترحته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الموجهة لخطوات الانتقال السياسي. ومن ضمن نتائج مؤتمر الحوار، صيغة الدستور الجديد الذي يرسم ملامح اليمن الاتحادي في المستقبل.