تعاني المدن المحررة في اليمن، أزمة سيولة، حالت دون تسليم أغلب موظفي القطاع العام المدني والعسكري، رواتبهم عن شهر مارس/آذار الماضي.
وقالت مصادر حكومية لـ “العربي الجديد”، إن البنك المركزي اليمني ومقره صنعاء، أرسل نهاية مارس/آذار، إلى فرع البنك المركزي في عدن مبلغ 5 مليارات ريال (20 مليون دولار) لسداد الرواتب، لكن المبلغ لا يكفي لسداد رواتب موظفي المدن المحررة.
وكانت الحكومة الشرعية قد أكدت على استقلالية البنك المركزي بصنعاء وتجنيبه الصراع، وأن تقوم الجهات الإيرادية في المدن المحررة بتوريد عائداتها إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، وبدوره يتولى صرف رواتب موظفي الدولة في جميع محافظات البلاد.
وقال مصدر في البنك المركزي بمدينة عدن لـ “العربي الجديد”: “المبلغ الإجمالي الذي يغطي تكلفة رواتب الموظفين في عدن لشهر مارس/آذار يبلغ 13 مليار ريال، وأن ما حصل عليه فرع عدن من المقر الرئيس في صنعاء من نقود تم نقلها الأسبوع الماضي جوا، هو فقط 5 مليارات ريال”.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: “العجز في رواتب عدن والمدن المحررة يبلغ 8 مليارات ريال، ولذلك معظم الموظفين قد لا يتمكنون من استلام راتب مارس/آذار، إذا لم يسارع البنك المركزي بصنعاء في حل هذه المشكلة”.
ورفضت إدارة البنك المركزي فرع عدن، الصرف لفرعي البنك المركزي في محافظتي أبين ولحج (جنوب البلاد).
وأعلن البنك المركزي اليمني فرع أبين وقف تعاملاته، وأبلغ محافظ أبين، بعدم قدرته على صرف مرتبات مارس/آذار 2016.
وكشف مدير عام البنك المركزي في أبين، محسن صالح الصلاحي، عدم قدرتهم على صرف مرتبات موظفي المحافظة لشهر مارس والتوجه إلى إغلاق الفرع لعدم توفر السيولة.
وقال الصلاحي في رسالة إلى محافظ المحافظة، حصلت “العربي الجديد” على نسخة منها: “نحيطكم علماً بأننا قمنا بصرف مرتبات شهر فبراير/شباط 2016، بجهود ذاتية عبر صرافين منهم العمقي والعروي وكذا بنوك تجارية”.
وأضاف: “فرع البنك المركزي بعدن لم يصرف لنا غير مبلغ مائة وخمسين مليون ريال من أصل مليار وسبعمائة مليون ريال، وذلك مرتبات المحافظة لشهر فبراير، وعند وصول إرسالية المركز الرئيسي والمقدرة (بخمسة مليارات ريال) والخاصة بمرتبات مارس، للمحافظات الثلاث، فوجئنا بإدارة فرع عدن ترفض صرف مرتبات المحافظة لشهر مارس، ولم يعطونا إلا أربعمائة مليون ريال، حيث أفادوا أن الإرسالية تخص فرع عدن”.
وتابع الصلاحي: “لهذا فإننا غير قادرين على صرف مرتبات المحافظة لشهر مارس/آذار 2016 وإننا سنضطر آسفين إلى إغلاق الفرع لعدم توفر السيولة”.
ولا يزال موظفو محافظة الضالع المحررة (وسط البلاد)، بلا رواتب للشهر الثاني على التوالي، بعد أن أوقفت اللجنة الثورية التابعة لجماعة الحوثي والتي تسيطر على مؤسسات الدولة، رواتب المحافظة، ورفضت اعتماد توقيع المحافظ المعين من قبل الرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي.
من جانبه، طالب ناطق المجلس العسكري التابع للسلطة الشرعية في محافظة تعز، العقيد منصور الحساني من الحكومة والسلطة الشرعية، صرف رواتب أفراد الجيش الوطني في المحافظة، والمنقطعة منذ ستة أشهر، من قبل سلطة المليشيات.
وقال العقيد الحساني، في بيان: “نبعث برسالة عتاب وتذكير أننا ضباط وأفراد الجيش الوطني في محافظة تعز والذين يقاتلون مع إخوانهم في المقاومة الشعبية جنباً إلى جنب عن المشروع الوطني وعن الشرعية، لنا ما يقرب من ستة أشهر ونحن بدون رواتب بعد أن أوقفت رواتبنا عصابة الانقلاب المشؤومة”.
وأضاف، “قررنا اليوم أن نوصل عتابنا، ليس ندماً ولا هزيمة ولا ضعفاً، إنما نبعثها ونحن أكثر صموداً وأشد قوة في مواجهة المليشيات”.
وتساءل ناطق المجلس العسكري: “أين رواتب الجيش الوطني في تعز أسوة بإخوانهم من الجيش الوطني في مأرب والجوف وعدن ولحج والضالع وشبوة، يستلمون رواتب من الشرعية ونحن إلى اليوم بدون رواتب”.
ويعاني اليمن أزمة في دفع الرواتب منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء ومؤسسات الدولة في سبتمبر/أيلول 2014، وتفاقمت أزمة الرواتب منذ بداية الاضطرابات في مارس/آذار 2015، ما اضطر البنك المركزي إلى الاقتراض من المصارف عبر أذون الخزانة لسداد الرواتب.
أشارت المصادر إلى أن البنك المركزي يعاني من أزمة سيولة مالية بسبب قلة الموارد والإيرادات، ما منع أكثر من مليون موظف في مؤسسات حكومية من الحصول على مستحقاتهم المالية المرتبطة بالمكافآت والإضافي، فضلاً عن مضاعفة معاناتهم جراء تأخر رواتبهم في كثير من الشهور الماضية.
ويقول الخبير الاقتصادي ورئيس مصلحة الضرائب السابق أحمد غالب، إن شللاً كبيراً أصاب مؤسسات الدولة بسبب عدم وجود اعتمادات مالية للتشغيل ولو بحدودها الدنيا والضرورية، مشيرا إلى أن ما يتم صرفه بالسحب على المكشوف من البنك المركزي ترتب عليه تدهور لقيمة العملة الوطنية وارتفاع للأسعار بصورة متسارعة مما فاقم من معاناة الموظفين والمواطنين عامة.
ويعتقد غالب، أن السبب الحقيقي للمشكلة المالية هو تدهور إيرادات الدولة بسبب الحرب والأحداث الجارية وتوقف الإنتاج والأنشطة الاقتصادية وتوقف تصدير النفط والجبابات الجانبية لبعض الإيرادات وعدم دخولها حساب الحكومة العام، مما أدى إلى أن الإيرادات العامة للدولة لا تغطي 40% من فاتورة المرتبات.
إلى ذلك، يحذر مراقبون من استمرار مصادرة رواتب موظفي مختلف القطاعات الحكومية الذين اضطروا لمغادرة أماكن أعمالهم وتركوا وظائفهم بسبب الحرب.