ما زال أهالي محافظة الحديدة الساحلية (غرب اليمن) يعيشون أسوأ وضع عرفوه منذ دخول الميليشيات الانقلابية إلى المحافظة، واحتلالها المرافق الحكومية والصحية، وانتشارها في مدينة الحديدة (عاصمة المحافظة) وعدد من المدن والمديريات، في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وذلك كثاني محافظة بعد العاصمة اليمنية صنعاء.
ومع سيطرة الميليشيات الانقلابية على المرافق الحكومية في المحافظة، فإنها تمارس عليها واقع الاحتلال المُر، من خلال عدم توفير الخدمات الأساسية لها مثل الكهرباء والماء والمشتقات النفطية.
وبخلاف الملاحقة والاعتقالات وتفجير المنازل وقطع الأرزاق، لا يحصل المواطنون على شي هناك، إلى جانب عمليات فصل الموظفين في المصالح الحكومية بشكل تعسفي من وظائفهم بسبب رفضهم للانقلاب.
ووصل الأمر إلى أن تحارب الميليشيات الانقلابية مستشفيات الحديدة، من خلال عدم إيصال المشتقات النفطية اللازمة لها، بما فيها مركز الغسيل الكلوي، وفقا لمصادر متعددة.
وبينما يعاني سكان محافظة الحديدة الساحلية من ارتفاع درجة الحرارة هذا الصيف جراء استمرار انقطاع الكهرباء منذ ما يزيد عن العام عن المحافظة بشكل كامل، وذلك بسبب توقف محطة التوليد المحلية التي تديرها الميليشيات الانقلابية، وتدير المحافظة بشكل كامل، عاد التيار الكهربائي بشكل جزئي إلى بعض مناطق مدينة الحديدة.
ويقول يحي محمد، وهو من أبناء الحديدة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الميليشيات الانقلابية تريد قتل أبناء تهامة من خلال حصارها ومنع وصول المياه إلى عدد من الأحياء السكنية ومديريات المحافظة من قرى وأرياف، وحتى البترول والغاز، فقد أصبحت الحياة في الحديدة صعبة للغاية، خاصة مع دخول الحر الشديد في فصل الصيف، وأصبحت المستشفيات على وشك الانهيار بعد توقف الخط الساخن عن إمداد تلك المنشآت بالتيار الكهربائي».
وأضاف محمد: «لقد أصبح الوضع مأساويا بشكل كبير بسبب استمرار ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح بمعاقبة أهالي الحديدة الرافضين للانقلاب على الشرعية، وكل هذا لأنهم لقوا وجبة دسمة في هذه المحافظة المسالمة التي تقع على ثاني أكبر ميناء في اليمن، وتقوم بنهب خيراتها من تموينات محطة الكهرباء والمشتقات النفطية، ورغم ذلك لا تتوقف عن فرض مبالغ مالية على المواطنين والتجار تحت حجة المجهود الحربي، وكل هذا سرقة واضحة، ويقومون ببيع المشتقات النفطية المخصصة للحديدة في السوق السوداء الذي يرفع أسعارها إلى أكثر من ثلاثة أضعاف».
وأكد أن «الميليشيات الانقلابية الاحتلالية في محافظة الحديدة تقوم باستغلال معاناة أبناء تهامة جراء الحر الشديد وانعدام الماء والكهرباء استغلالا بشعا، علاوة على الشماتة بمعاناتهم، خصوصا من يسمي نفسه عضو ما يسمى باللجنة الثورية العليا، التابعة للحوثيين، فارس أبو بارعة، الذي سخر من الحر الشديد الذي يعاني منه أبناء محافظة الحديدة الساحلية، وكتب على صفحته في (فيسبوك) منشورا تهكميا على أبناء الحديدة، وبشكل مقيت».
وفي منتصف شهر مايو (أيار) الماضي، أطلق مكتب الصحة في محافظة الحديدة نداء استغاثة لمنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية المهتمة، للتدخل السريع وإنقاذ عشرات الآلاف من المرضى في المحافظة.
وذكرت تقارير لمنظمات يمنية محلية أن أكثر من 100 شخص في محافظة الحديدة توفوا في شهر مايو الماضي نتيجة لارتفاع درجة الحرارة، الأمر الذي يجعل أكثر من مليون شخص معرض للموت المحقق جراء رفض الميليشيات الانقلابية تشغيل محطات الكهرباء، في الوقت الذي يتردد الآلاف من المصابين بالحروق والأمراض الجلدية والتقيح على المستشفيات في مدينة الحديدة ومديرياتها، وبشكل يومي.
ويؤكد العاملون في المنظمات الإنسانية في محافظة الحديدة أن الميليشيات الانقلابية تعيق أعمالهم وتهددهم بالاعتقالات، ويصل الأمر إلى الإخفاء القسري في حال استمروا في أعمالهم الإنسانية، وصولا إلى القرى والأرياف ورصد حالات الوفاة نتيجة ممارسات الميليشيات الانقلابية ومنع الماء والكهرباء من الوصول إلى عدد من الأرياف، وبسبب انعدام الكهرباء عنهم نتيجة نهبهم لمادة المازوت المخصصة لمحطة الكهرباء.
في المقابل، تواصل عناصر في إقليم تهامة هجماتها الواسعة على مواقع وتجمعات ونقاط ودوريات ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للمخلوع صالح في مناطق متفرقة من الإقليم، وسقط على إثرها عدد من الميليشيات الانقلابية بين قتيل وجريح.
وقال مصدر في قوات الشرعية لـ«الشرق الأوسط» إن «أبطال قوات الشرعية استهدفوا أحد أفراد الميليشيات الانقلابية، أمس، في مدينة الحديدة في شارع الخمسين بالقرب من عمارة الفقية وهو يقود دراجته النارية، وأردته قتيلا».
وأضاف المصدر: «تواصل الميليشيات الانقلابية حملتها لاعتقال وملاحقة جميع المناوئين لهم تحت حجة انتمائهم لعناصر قوات الشرعية، في الوقت الذي لا يزال يقبع في سجون الميليشيات المئات من أبناء تهامة، من بينهم قائد ومؤسس الحراك الجنوبي العميد خالد خليل».
ومن جهتهم، ناشد عدد من السجناء في السجن المركزي في محافظة الحديدة النائب العام واللجنة العليا للسجون ووزارة حقوق الإنسان والسلطة المحلية، سرعة إنقاذهم من الموت المحقق بسبب الحر الشديد في ظل انقطاع الكهرباء وانتشار مرض الجرب بينهم وعدم توفر الأدوية وطفح المجاري.
وقالوا في رسالة مناشدة، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إن ذلك يسبب «أمراضا معدية والتهابات جلدية ونقصا في الغذاء والمياه وتكدس أعداد كبيرة من المساجين في السجن، مما يهدد صحتهم بخطر الوفاة بسبب استمرار تلك الأوضاع المأساوية التي تستدعي التدخل العاجل لإنفاذهم والتخفيف من معاناتهم».
وأضافوا أن «هناك سكوتا وإهمالا لهم من النيابات، بعدم تحريك قضاياهم، وعدم عقد أي جلسات لهم أمام المحاكم منذ بداية الحرب، وقد حملوا النائب العام ولجنة السجون وبقية الجهات المسؤولية عن أوضاعهم الصحية المتدهورة».