بعد قرابة عامين ونصف على تحالف الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح مع ميليشيات عبدالملك الحوثي، بات من الواضح أن تحالف أعداء الأمس، الذي رفع راية الانتقام من الخصوم سياسياً ومذهبياً، يتجه بقوة نحو الانهيار، بعد أن زج باليمن في أتون حرب مدمرة حصدت أرواح آلاف اليمنيين، وخلفت دماراً هائلاً في البنى التحتية، والمنازل والمنشآت الخاصة على امتداد الخريطة اليمنية.
ويشي الكثير من المعطيات بأن انعدام الثقة بين شريكي الانقلاب على السلطات الشرعية في البلاد، أفشل الكثير من الخطوات والجهود المشتركة لهذا التحالف المشبوه، سواء ذات الصلة بالقضاء على الحكومة الشرعية والقوات المدافعة عنها، وإحكام السيطرة العسكرية على البلاد، أو المتعلقة بإدارة الدولة وتسيير شؤونها، إضافة إلى الفشل الذريع في إدارة الملفين الاقتصادي والسياسي.
عسكرياً، تشهد جبهات القتال انكماشاً واضحاً لميليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح التي تساندها، وتؤكد البيانات الميدانية أن الميليشيات وقوات صالح تفقد الكثير من المواقع التي كانت تسيطر عليها منذ بدء الحرب، وفي مختلف الجبهات، لمصلحة قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، المدعومة من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية تمكنت قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، وبمساندة قوات التحالف العربي، من دحر ميليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح من مناطق واسعة كانت تسيطر عليها، خصوصاً في جبهة باب المندب وذباب والشريط الساحلي وصولاً إلى تحرير مديرية المخا ومينائها، ما يتيح للجيش الوطني والمقاومة التمدد شمالاً باتجاه محافظة الحديدة ومينائها، وقطع إمدادات الميليشيات والحيلولة دون وصول الأسلحة المهربة إليها من طريق البحر، إلى جانب انحسار الميليشيات من مناطق واسعة في محافظة تعز تحت ضغط الجيش والمقاومة الشعبية.
وفي جبهة مأرب والجوف تمكنت قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية من تحرير كل مناطق محافظة مأرب، وغالبية مناطق محافظة الجوف، وها هي اليوم تضيق الخناق على الميليشيات الحوثية والقوات الموالية لصالح في منطقة نهم، التي تمثل البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء.
وبالتوازي مع هذه النجاحات، تواصل قوات الجيش والمقاومة الشعبية تحرير مناطق واسعة من محافظة صعدة معقل الحوثيين. ولأول مرة منذ نحو ست سنوات، زار نائب الرئيس اليمني الفريق علي محسن الأحمر الأسبوع الماضي مديريتي البقع وباقم في المحافظة بعد تحريرهما من الميليشيات الحوثية وقوات صالح، وتفقد نائب الرئيس اليمني المقاتلين في الخطوط الأمامية بمنطقة مندبه ومنفذ علب الحدودي مع المملكة العربية السعودية، مشيداً بالانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش اليمني، وأكد في الوقت ذاته استمرار المعارك حتى تطهير صعدة بكاملها من الوجود الحوثي وإعادتها إلى أحضان الدولة.
وإلى جانب توالي الهزائم التي تلاحق مسلحي الميليشيات والقوات الموالية لصالح، تتكبد الميليشيات خسائر فادحة في أرواح مسلحيها وقياداتها الميدانية، إلى جانب خسائرها الكبيرة في العتاد العسكري، سواء في جبهات القتال، أو من خلال الغارات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف، والتي تمكنت من تدمير الكثير من مخازن الأسلحة والآليات والعربات العسكرية.
فشل تحالف الانقلابيين في صنعاء لم يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل امتد إلى إدارة مؤسسات الدولة، التي أضحت اليوم في حالة شلل كامل، وعلى رغم تشكيل حكومة إنقاذ مناصفة بين الشريكين في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إلا أن استحواذ ميليشيات الحوثي وسيطرتها على كل مؤسسات الدولة، وإدارتها بعقلية المسلحين وبعشوائية مفرطة بعيدة من النظام والقانون، والاستحواذ على مواردها، ومنع الوزراء والقيادات المحسوبة على الرئيس السابق علي صالح، من المشاركة في الإدارة واتخاذ القرار، أوصلت هذه المؤسسات إلى حافة الانهيار.
بات كثير من القطاعات الخدمية عاجزاً عن تقديم خدماته للمواطنين، في مقدمها قطاعات التعليم والصحة والكهرباء والمياه والنظافة وغيرها، ما يعني أن هذه الخدمات المتدنية أصلاً باتت مهددة بالتوقف الكامل في غضون أشهر قليلة، نتيجة لعدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتشغيل هذه الخدمات، ما يعني أن منظومة الحكم القائمة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات ستنهار بالكامل.
بيد أن الفشل الذريع في إدارة عجلة الاقتصاد في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين وصالح، يمثل القشة التي ستقصم ظهر تحالف الانقلابيين عاجلاً أو آجلاً، بخاصة مع توقف حركة الاستثمار في البلاد، ونزوح غالبية البيوت التجارية اليمنية التي كانت تحرك عجلة الاقتصاد خارج اليمن، بحثاً عن ملاذات آمنة لأموالها، إضافة إلى افتقار الخزينة العامة والبنك المركزي في صنعاء، إلى الحد الأدنى من الأموال اللازمة لإدارة هذه المناطق، ووصل الأمر حد العجز عن صرف مرتبات موظفي الدولة لأربعة أشهر متتالية بفعل الفساد غير المسبوق الذي تمارسه الميليشيات، وتراجع الموارد العامة والمنح والمساعدات الخارجية.
وعلى المستوى السياسي، يعيش تحالف الانقلاب منذ قرابة عامين ونصف في عزلة عربية ودولية، كما عجز تحالف الحوثي – صالح عن إقناع أي دولة من دول العام بمشروعه الانقلابي، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة التي ترفض التعامل مع المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ المشكّلة من جانبه، بل وتعتبر المجلس والحكومة من أسباب عرقلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية سلمية في اليمن.
كما أن تفشي الفساد في أوساط الميليشيات في شكل لم يشهده اليمنيون من قبل، والتسبب في فقد ملايين الموظفين والعمال وظائفهم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، والتوقف عن صرف مرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين، وعدم الاكتراث لمعاناة المواطنين، وما سببه كل ذلك من ارتفاع نسبة الفقر في أوساطهم، لتصل وفق التقديرات الدولية إلى 80 في المئة من عدد السكان المقدر بنحو 28 مليون نسمة، جعل النسبة الكبرى من اليمنيين تدرك فداحة المشروع الانقلابي.
إضافة إلى أن الممارسات السيئة للميليشيات، والتي استهدفت في شكل مباشر عشرات الآلاف من الموظفين العموميين الذين طاولهم الإقصاء من أعمالهم، وفصل البعض، وتهديد آخرين بالفصل نهائياً من الخدمة، والمعاملة المهينة للمواطنين سواء في المرافق الحكومية، أو في نقاط التفتيش الأمني داخل المدن وبين المحافظات، والاعتقالات القسرية لآلاف المواطنين وتعذيبهم بوحشية، وتصفية العشرات منهم داخل السجون، وابتزاز مالكي المحال التجارية مالياً تحت تهديد السلاح، كل ذلك زرع بذرة الحقد والكراهية للميليشيات في نفوس غالبية اليمنيين، ورفع مستوى الرفض الشعبي لها، بل وينتظر الكثير من ضحايا الميليشيات الفرصة المناسبة للانتقام من عناصرها وقياداتها.
وأمام هذه المعطيات، فإن خيارات تحالف الحوثي – صالح باتت صعبة ومحدودة جداً، ووفق مراقبين تحدثوا إلى «الحياة»، فإن «التطورات الميدانية على مسرح العمليات العسكرية، والتي رجحت كفة الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، تضع الميليشيات والقوات الموالية لصالح أمام خيارين: الرضوخ للجهود الدولية الحثيثة الرامية إلى إيقاف الحرب والتوصل إلى تسوية سلمية في اليمن، أو مواصلة الحرب التي ستفضي في النهاية إلى هزيمتها، وفق المؤشرات الراهنة».
ويؤكد المراقبون أن إصرار تحالف الحوثي – صالح على «استمرار الحرب يعد انتحاراً حقيقياً له»، ويقولون: «حتى لو فرضنا جدلاً حدوث تغيرات في موازين القوة على الأرض لمصلحة الميليشيات والقوات الموالية لصالح، وهو أمر مستبعد تماماً، فإن شريكي الانقلاب سيكونان على موعد مع مواجهات جديدة بينهما، حيث سيسعى كل طرف إلى إقصاء الطرف الآخر وكسر شوكته، بخاصة أن استمرار الحرب مع القوات التابعة للشرعية، يمثل السبب الأبرز لتأجيل المواجهة بين الطرفين، اللذين تتسع دائرة الخلافات بينهما يوماً بعد آخر، إضافة إلى أن كل طرف منهما يعتبر الآخر عدواً له، ويسعى للسيطرة على مقاليد الأمور تمهيداً لضربه».
ويرى المراقبون أن الشريكين «سيعجزان تماماً عن إدارة البلاد، حتى وإن نجحا في احتواء خلافاتهما لأسباب كثيرة، أهمها صعوبة السيطرة على جنوب اليمن الذي سيتجه بقوة للانفصال، واستحالة إخضاع الكتلة السنّية التي تمثل غالبية الشعب اليمني في الشطرين لحكم الميليشيات الشيعية، إضافة إلى أن تحالف الانقلابيين سيستلم بلداً مدمراً ومنهاراً اقتصادياً واجتماعياً، ومحاصراً سياسياً على المستويين الإقليمي والدولي».