تنشط إيران في أوروبا عبر جمعيات ومؤسسات إغاثية وحقوقية تستخدم في دعم حلفائها العرب ومنهم مليشيا الحوثيين في اليمن, مستخدمة وسائل ضغط على صناع القرار في تلك البلدان إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
تخلصت إيران من الصدمة في وقت قياسي بعد أن شنت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية حملتها ضد المتمردين الحوثيين في مارس/ آذار 2015م، وجهزت أدواتها الإعلامية والسياسية ووضعت مساعدة الحوثيين والضغوط على صناع القرار الدولي في أولى اجنداتها في اليمن.
لتنفيذ ذلك تملك إيران شبكة واسعة وضخمة للغاية من تلك المنظمات والمؤسسات في الاتحاد الأوروبي حاول “مُسند للانباء” إحصائها ومعرفة أماكن تواجدها, تنشط مع نظام الملالي الإيراني منذ ما قبل الثورة الخمينية, فقد عمل روح الله الخميني على استخدامها لمواجهة نظام الشاه والتقرب من الأنظمة الحاكمة في أوروبا, وصولاً لفتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة، وتعود كافة المؤسسات الثقافية والاعلامية والإغاثية والدعوية والحقوقية والإنسانية تحظى بإشراف مباشر من قبل السفارة الإيرانية، بملحقاتها الثقافية والإعلامية وحتى العسكرية، إضافة إلى تشكيل لجان طوارئ في القضايا المهمة مثل ما حدث مع الحوثيين في اليمن.
وتمثل الجالية العربية إحدى أبرز تلك المواطن التي تنشط فيها الخلايا الإيرانية في عواصم البلدان الأوروبية، بالإضافة إلى الطلاب العرب الدارسين في الخارج، وتعمل بشكل متصل ومتناسق من أجل توطين (عملاء) أو (موالين) جدد للنظام الإيراني يكون لهم دور فعال في بلدانهم عند عودتهم.
وجد فريق “مُسند للأنباء” أن عمق التواجد الإيراني في أوروبا كبير جداً، ويستغل بشكل جيد لمواجهة السياسة العربية فيها وبالأخص استهداف السياسة السعودية, التي تملك تقارباً واسعاً مع تلك الدول في القضايا الإقليمية التي تحاول إيران محو أي آثر لانتصار سياسي وإن كان ضعيفاً للسعوديين، يصل الأمر إلى ابتزاز السفراء الخليجيين والعرب بمحاكمات نتيجة أخطاء أو تهديد منظمات حقوقية وعمالية بالمحاكمة لرموز تلك الدولة حتى يتحاشى الدبلوماسيون الخليجيون التطرق إلى قضايا تعنى بإيران وفتحها من الأنظمة الأوروبية.
ارتباطات إيرانية واسعة تدعم الحوثيين
بدأ فريق “مُسند للأنباء” في البحث عن مقدرة إيران للوصول إلى صناع القرار في دول أوربية عديدة, إذ استطاعت إيران من خلال شبكاتها وعلاقتها تكوين ارتباطات واسعة وحقيقية في البرلمانات المحلية في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى البرلمان الأوروبي ومحاكم صورية وحقيقية عديدة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسويد والنرويج وأستراليا ..الخ من دول الاتحاد الأوروبي.
هذه المؤسسات الإيرانية الموجودة في أوروبا لا تمثل ضغطاً على صانعي القرار في أوروبا, لكنها تمثل جزءاً من منظومة الضغط على الأمم المتحدة- أيضاً- فلهذه المنظمات دورٌ بارز في معارضة الأنظمة وتمثيل الجماعات الإيرانية الموجودة في الوطن العربي في تلك الدوائر المعنية بصناعة القرار الدولي، إضافة إلى أن لبنانيين موالين لحزب الله اللبناني يديرون – أو الذراع الأيمن لمن يدير- جزءاً كبيراً من أعمال المنظمة الدولية المعنية بالشؤون العربية ومنها اليمنية.
تبرير أخطاء إيران وحلفائها
لم يسبق لأي دراسة إعلامية أو وسيلة إعلامية أوجدت اختراقاً للشبكة الإيرانية في الغرب, والتي تعمل بشكل سريع ومعقد من أجل تحقيق الغايات الإيرانية رغم ظهورها بشكل علني بين الفينة والأخرى, تدعم الجماعات الإيرانية، يعود السبب بذلك لكون تلك المؤسسات تعمل وفق برامج مختلفة عن الأخرى لكنها تشترك بجزء بسيط في دعم الرؤية الإيرانية، فهي على سبيل المثال ستتحرك لجمع التبرعات لضحايا زلزال في أمريكا اللاتينية كمهمة تخص المؤسسة لكنها في نفس الوقت ستقف مع قضية تقدمها إيران حتى ولو كانت تبرير قتل أطفال سوريا واليمن، لذلك يظهر التبرير للمؤسسة كخطأ ضمن كمية كبيرة من الحسنات لدى المنظمات الدولية الأخرى.
نتيجة لانعدام المصادر التي ناقشت تلك الملفات حاول “مُسند للأنباء” إجراء اتصالات متعددة-مع إيرانيين معارضين ويمنيين موالين للحوثيين- ومتابعة فاحصة لأنشطة الحوثيين في أوروبا منذ بدء الحملة العسكرية للتحالف العربي في اليمن.
دعم إيراني للحوثيين بين لندن وجنيف
منذ تأسيس إيران لـ”لجنة نصرة الشعب اليمني” التي يرأسها اللواء إسماعيل أحمدي، وهو قائد في الحرس الثوري ورئيس شرطة طهران السابق، بدأت جماعة الحوثي تظهر بمظهر “مظلومية” لائقة-حسب الإيرانيين- عبر شبكات واسعة من المنظمات والمال السياسي الإيراني في أوروبا، وتعمل اللجنة الإيرانية وفق عدة مستويات (إعلامية)، (سياسية)، (حقوقية)، (إنسانية) وحسب توصيف إسماعيل أحمدي فإن تأسيسها يأتي لإظهار (مأساة الشعب اليمني للعالم)، ومساعدته سياسياً وإغاثياً لتجاوز محنته، والتي يقصد بها بالطبع محنة جماعة الحوثي المسلحة.
في أغسطس/ آب الماضي احتفلت وسائل الإعلام الإيرانية باختتام المؤتمر الأول لدعم الشعب اليمني في العاصمة البريطانية- لندن، وتحدث كثيرون يحملون الجنسية الإيرانية واللبنانية والبريطانية، فيما ظهر في الواجهة الرئيسية اثنان من قيادات الحوثيين محمد الوزير وأحمد المؤيد.
ظهر رجال الدين الإيرانيين في ملابسهم التقليدية في حضور المؤتمر، إلى جانب مؤسسة الإمام علي (إيرانية لديها مقران في لندن وطهران)، ومؤسسة الإمام الرضا ولديها مقرات في عدة عواصم أوروبية. إلى جانب محاضرة إعلامية البروفسور في كلية الاعلام والاتصال بجامعة طهران “سعيد رياض أميل”، إضافة إلى محاضرين بريطانيين معروفين بولائهم لإيران وميليشياتها في الشرق الأوسط، بينهم البرلماني السابق “جورج جلوي”، ورئيس اتحاد نقابات الموظفين البريطانيين ” أندرو ميراي”.
انتقل التنسيق على هذا النوع من دعم الحوثيين إلى عامل ضاغط في الأمم المتحدة وفي نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي كانت المنظمات ومنظمات أخرى في جلسات الدورة الـ 33 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، الصحافي همدان العليي كتب مقالاً عما شاهده هناك، والذي وصفه بالتنسيق القائم بين أعضاء “التنظيم الدولي الإيراني”، بمن فيهم ممثلو جماعة الحوثي، في جلسات مجلس حقوق الإنسان. ويقول: “لاحظت أن لقاءاتهم مع داعميهم الأجانب كانت متواصلةً لا تتوقف، إذ لا يجد ممثلو الحوثي في جنيف حرجاً من أن يشاهدهم الناس أو معارضوهم وهم يتلقون التوجيهات من البرلماني الكويتي عبدالحميد دشتي، ومن البحريني حسين موسى (عضو جبهة التحرير البحرينية)، وهما ناشطان فاعلان معروفان بانتمائهم إلى تياراتٍ موالية لإيران”.
تحدث العليي في مقالته عن مجموعة إيرانية نشطه في جنيف ومنها: “مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب (لبنانية)، منظمة جسور الشبابية (العراق)، المنظمة العراقية للتنمية، ومؤسسة السلام (لندن)، المجلس الدولي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان (يديره البرلماني الكويتي عبد الحميد دشتي ومقره في جنيف)، المنظمة العربية لمراقبة حقوق الإنسان (أروى، ومقرها في أميركا)، ومنظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، مركز الخليج لحقوق الإنسان في البحرين (مقره في إيرلندا)، منظمة أوقفوا الحرب البريطانية (يديرها ستيفن بل وتموّلها إيران)، منظمة سبأ للديمقراطية وحقوق الإنسان (يرأسها أحمد المؤيد)، منظمة أبرار (يديرها محمد النعماني)”.
المنظمات اليمنية المذكورة ظهرت مؤخراً في إيران وتأسست على يد (لجنة إسماعيل أحمدي) وهي ذات اللجنة التي حشدت هذه المنظمات إلى لندن وإلى جنيف، وإلى جانب ذلك يوجد العديد من الخبراء وأعضاء اللجان الدولية الموجودين في أوروبا والذين إما يتلقون تمويلاً إيرانياً وهي الغالبية أو يجمعهم (الكراهية الموجهة للمملكة العربية السعودية) وفيهم عضو لجنة التسيير في الحملة الدولية ضد بيع السلاح ” ديفيد ويرنج ”، والخبير في الحقوق المدنية البروفيسور “جان فيرمان”، ورئيس المنظمة اليمنية للإغاثة والتنمية الإنسانية ( MONA) الدكتور رياض كريم، عضوة البرلمان الاسكتلندي بوليان ميكانايل، منسق الحملة الدولية ضد تجارة الاسلحة “أندرو سميث”، رئيسة منظمة حقوق الانسان لليمن ”كيم شريف”، والتي يطلق عليها في وسائل الإعلام الإيرانية (أم كلثوم باعلوي).
التمويل الإيراني في أوروبا
تنفق إيران الكثير من المال في أوروبا، ولأجل ذلك أنشأت العديد من مصادر الدخل المستمر لتمويل تلك المنظمات ومكاتب العلاقات العامة، فعلى سبيل المثال أنشأت إيران العديد من “الحسينيات” في الاتحاد الأوروبي، والتي تتلقى تمويلاً محدوداً من رجال أعمال تحت مسمى “تبرعات”، كما أن نشاطاتها الدعوية والتنظيمية في الجاليات العربية تفرض “تبرعات” و “اشتراكات” على كل معظم المنظمين.
وصل الأمر إلى أن (المخابرات البريطانية) تمول عدة حسينيات إيرانية للحصول على معلومات حول الإسلاميين، واختراق صفوفهم بالتزامن مع الهجمات الإرهابية التي يقوم بها متشددون، فتتحول الحسينيات إلى “عميل مزدوج” بين السلطات الإيرانية والمخابرات البريطانية تشملها تسريب معلومات كاذبة.
التمويل الآخر هي اشتراكات من رجال أعمال واستثمارات موجودة في لندن وبإمكان الزائر إلى شارع إدجور رود في لندن والذي يطلق عليه شارع العرب، إلى أنه أصبح شطرين، فأصبحت المحال والمطاعم والمقاهي ترفع فيها صور الخميني والقادة الإيرانيين الآخرين بما فيها محلات ترفع صور تجمع (الحوثي-نصر الله- خامنئي)، فيما تسيطر على أسواق (العقارات) في الشارع وتجارات المخدرات بالارتباط مع عصابات مافيا فيها ارتبط بها طهران من (أمريكا اللاتينية)، وتستخدم إيران في ذلك لبنانيين وسوريين وعراقيين وبعض الذين يزعمون أنهم ينتمون إلى أصول بحرينية.
النشاط المستقبلي
علم “مُسند للأنباء” من عدة مصادر أن المنظمات الإيرانية تستعد لإطلاق “اسطول بحري إغاثي إلى اليمن” بتمويل من الحرس الثوري الإيراني لكسر ما يقولون إنه (الحصار البحري) المفروض على البلاد، متجاهلين تصريحات الأمم المتحدة أنها باتت تفتش الشحنات القادمة لليمن عبر البحر منذ مايو/آيار الماضي.
الاسطول البحري الذي يحشد له منذ ثلاثة أشهر من لندن يجمع تبرعات من عدة دول أوروبية وستشارك فيه عدة منظمات إغاثية وحقوقية سواءً كانت ذات تمويل إيراني أو متعاطفة فعلاً مع الحالة الإنسانية المزرية في اليمن مع انتشار صور المجاعة بالحديدة بكل لغات العالم.
سيمر الأسطول البحري-حسب المصادر- من النرويج وأستراليا والنمسا اسكوتلندا ولندن وعدة عواصم أوروبية مروراً بالبحر الأبيض المتوسط وقناة السويس وصولاً إلى مياه البحر الأحمر ومحافظة الحديدة غربي البلاد، وسيرفض أي عملية تفتيش أو اعتراضات أممية أو من قوات التحالف.
بالإضافة إلى استمرار المحاولات الحثيثة للحصول على تأييد بحظر توريد السلاح إلى المملكة العربية السعودية من برلمانات الدول الأوروبية ويبدو أن فشل حزب العمال الاشتراكي في استصدار قرار من هذا النوع في لندن قد أدى إلى جنوح إيراني للضغط في البرلمانات الألمانية والفرنسية والإسبانية.
علي أي حال تستمر فيه الأوضاع في اليمن، ستستمر المنظمات في استثمار الحرب لعدة سنوات ضد المملكة العربية السعودية في معظم الأمور:
حشد إدانة حكومية و من منظمات المجتمع المدني في أوروبا للسلطات السعودية بالمزيد من الفعاليات المنددة.
استثمار البطيء السعودي (الخليجي) في مواجهة تلك الحملات، في بقاء الحوثيين كسلطة أمر واقع في اليمن وبصفتها كمضطهد لا كجماعة مسلحة مرتبطة دولياً وترتكب آلاف الانتهاكات.
ترويج الحوثيين كأقلية تحتاج لحماية نفسها، فيما تصور الحكومة اليمنية والتحالف العربي كمجموعة دكتاتوريين يريدون إبادة تلك الأقلية، حتى وإن كان الحوثيين ضمن حكومة انتقالية قادمة.
تستثمر المنظمات تلك التقارير التي تعدها في توصيف الحالة لجماعات إيران في الداخل الخليجي وهي تلك الجماعات الطائفية الشيعية، من أجل الضغط على المملكة العربية السعودية وبقية دول التعاون من أجل تمكينها.
استثمار تلك التقارير التي تعدها من أجل إزاحة السعودية من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة واستمرار بقاءها خارج الرأي الدولي والرد الإنساني.
استخدام تلك التقارير كفزاعة في كل محافل دبلوماسية للسفراء السعوديين ووزراء الخارجية للمقايضة بملفات أخرى.