توكل كرمان:القاعدة أو داعش أو اي جماعات أخرى متطرفة لا تمثل الإسلام

- ‎فيتقارير

القت الناشطة اليمنية والحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر ” الوحدة والتنوع ” الدولي ال1ي انعقد في مدينةفلورانسا ، بايطاليا-  حيث دافعت عن الثقافة بمفهومها الانساني والاخلاقي  :كمؤشرا هاما على الحالة العامة لأي مجتمع أو شعب”.

وقالت كرمان”لقد دفع العالم وما يزال ثمن اعتبار الثقافة جزءا من الحرب التي كانت تدور بين ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، فقد أسس هذا الصراع لفكرة تسيس الثقافة، وبث روح الكراهية بين الشعوب. أدرك أن استغلال الثقافة بطريقة سيئة مسألة قديمة جدا، لكن ينبغي الاعتراف بأن التنافس السياسي والعسكري الذي نشأ بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وحلفاءهما في انحاء العالم في النصف الثاني من القرن الماضي كان له اليد الطولى في تحويل الثقافة من طريقة للسلوك والتفكير والحياة إلى طريقة لفرض النفوذ والهيمنة والنموذج السياسي والاقتصادي”.

واستطردت كرمان في كلمتها متسائلة ” هل تنظيمات مثل القاعدة أو داعش أو جماعات أخرى متطرفة تمثل الإسلام؟، الاجابة لا بالطبع. المسلمون لا يمكن اختزالهم في عدد قليل جدا من الأشخاص المأزومين نفسيا وفكريا.”

واضافت “إن التحدي الأبرز الذي نواجهه اليوم هو التعصب الذي يهدد عيشنا المشترك، هذا التعصب الذي ينطلق الغالب من منطلقات ثقافية، ولذا تقع على كاهلنا مسؤولية التصدي لفكرة ازدراء ثقافات وقناعات الآخرين، لا يمكننا اجبار الناس على أن يعتنقوا قناعاتنا وطريقتنا في الحياة، لكن يمكننا جعلهم يتفهمونها، وهذا الأمر هو أفضل السبل لكي نحترم بعضنا، ونعيش دون كراهية واحقاد وبؤس.”

واختتمت السيدة توكل كرمان كلمتها بدعوتها لعالم بضرورة و يجوب  “الايمان أكثر بأن الثقافة يمكن أن تسهم بشكل فاعل في صنع السلام والتنمية والتسامح، إذا فعلنا ذلك، نكون عبرنا دائرة الخطر، وأسسنا لسلام دائم وحقيقي.”

نص الكلمة:

الاصدقاء الاعزاء:
إنه لشرف كبير لي أن أكون بينكم، نتحدث عن الثقافة وإمكانية أن تكون وسيلة لتحقيق السلام وأساسا للنمو الاجتماعي والاقتصادي. ولعل من الضروري أن اعترف لكم، أني دائما ما أعتبر الحالة الثقافية مؤشرا هاما على الحالة العامة لأي مجتمع أو شعب؛ لا أبالغ إذا قلت أن الثقافة هي الحياة، ولكي تصبح حياتنا جيدة، يجب أن تكون ثقافتنا هي الأخرى بحالة جيدة أيضا.
بطبيعة الحال، لن أخوض في جدل حول معنى ومفهوم الثقافة من الناحية الاكاديمية، فهذا ليس موضوعنا في هذه اللحظة، لكن من المهم أن نعرف عن ماذا نتحدث؟.
من بين مئات التعريفات للثقافة، أجدني أكثر ميلا للرأي الذي يرى الثقافة في معناها العام طريقة الحياة لشعب ما. إن المعتقدات والأفكار والعادات والتقاليد وجوانب الحياة الإنسانية الأخرى التي يتم اكتسابها باستمرار، تساعدنا في الاقتراب أكثر من مفهوم الثقافة، وتجعلنا أكثر استعداد للتفاعل مع عناصرها ومساراتها بطريقة ايجابية، وهو الأمر الذي سيكون له مردود جيد للغاية على الطريقة التي نرى من خلالها الأشياء والأخرين.

الاصدقاء الاعزاء:
لقد دفع العالم وما يزال ثمن اعتبار الثقافة جزءا من الحرب التي كانت تدور بين ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، فقد أسس هذا الصراع لفكرة تسيس الثقافة، وبث روح الكراهية بين الشعوب. أدرك أن استغلال الثقافة بطريقة سيئة مسألة قديمة جدا، لكن ينبغي الاعتراف بأن التنافس السياسي والعسكري الذي نشأ بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وحلفاءهما في انحاء العالم في النصف الثاني من القرن الماضي كان له اليد الطولى في تحويل الثقافة من طريقة للسلوك والتفكير والحياة إلى طريقة لفرض النفوذ والهيمنة والنموذج السياسي والاقتصادي.
بعد كل هذه السنوات، ما نزال في نفس الدائرة، ففي كل مكان في العالم هناك محاولات حثيثة لجعل الثقافة عنصر تحرش واستعلاء على اولئك الذين يختلفون معنا في نوع الملابس والطعام وأيام العطل والدين والعادات.
لدى كثيرون في الغرب تصورات مغلوطة عن الشرق وخصوصا المنطقة العربية، إلى الدرجة التي تتبرع فيها جهات معتبرة للحكم على ثقافة ومعتقدات أبناء هذه المنطقة من خلال الأساطير والشائعات من جهة، ومن خلال بعض التصرفات الشاذة التي لا تعبر بأي حال من الأحوال عن الوعي المجتمعي لتلك الشعوب.
علينا أن نسأل هل تنظيمات مثل القاعدة أو داعش أو جماعات أخرى متطرفة تمثل الإسلام؟، الاجابة لا بالطبع. المسلمون لا يمكن اختزالهم في عدد قليل جدا من الأشخاص المأزومين نفسيا وفكريا؟. إن الإصرار على التعامل مع المسلمين بوصفهم أمة إرهابية ليس إلا نوع من الجنون الذي لا يطاق. لقد دفعت أوروبا ثمنا باهظا للتخلص من أنظمة وجماعات متطرفة، ومع ذلك لا يزال هناك من يرفض الاعتراف بالآخر، ويعلن بوضوح أن الثقافة العربية أو الإسلامية هي الخطر الذي يجب مواجهته. هناك في المقابل، تصورات خاطئة لدى البعض في المنطقة العربية عن المجتمعات الغربية، الذي لا يرى فيها سوى مجتمعات منفلتة من أي قانون اخلاقي ومتآمرة. صحيح أن هذه النظرة لم تعد بنفس الشهرة والقوة التي كانت عليها في السابق بسبب التفاعل والتواصل الحضاري والإنساني بين مختلف الشعوب بصفة عامة، لكنها لا تزال موجودة.

اصدقائي الاعزاء
لم يعد العالم مقسما إلى جغرافيات متباعدة، بل صار بفعل ثورة المعلومات والتحديات المشتركة قرية صغيرة، وهذه الحقيقة تفرض علينا العمل على احترام مبادئ مثل التنوع والمشاركة الإنسانية، تفرض علينا أن نبذل مجهود أكبر في التعرف على ثقافاتنا المختلفة، اعني ما أقول تماما، إننا أبناء عالم واحد، قرية صغيرة واحدة، من الضروري أن نفهم بعضنا حتى لا نقع ضحية للتضليل والكراهية.
إذا فعلنا ذلك، واعتبرنا أن اختلاف الثقافات ليس دليلا على تفوق ثقافة بعينها، وإنما على التنوع وحسب، فإننا سنخطو خطوات كبيرة باتجاه السلام. أعرف أن مثل هذا الكلام قد لا يروق للبعض، خصوصا أولئك الذين يبشرون بأن الحروب القائمة اليوم أو القادمة ستحدث لأسباب ثقافية، لكني أراهن دائما على الشعوب، والشعوب مهما اختلفت ثقافاتها أو انماط حياتها أكثر رغبة في الاستقرار والسلام.
دعونا نفكر في خطوات بسيطة لكنها مثمرة، لماذا لا نكثف العمل في مجال الأسواق الثقافية، صحيح أن هناك فعاليات مختلفة في هذا السياق وهذا أمر جيد للغاية، لكن يجب أن نبذل جهدا أكبر في هذا المضمار، فهذا سيجلب الكثير من المنافع، سواء على الصعيد المعرفي والاقتصادي، وبالتأكيد سيوثق ويساهم في نمو العلاقات الاجتماعية بين الشعوب المختلفة..
أعرف أن هناك من سوف يثير الشكوك تجاه ذلك، بذريعة الخوف من أن تصبح هذه الاسواق الثقافية جسرا للهيمنة، لكن يجب أن نتغلب على هذه الشكوك من خلال إظهار الجوانب الايجابية لمسألة التبادل الثقافي، وتلقي ثقافات الأخرين من سينما وموسيقى وأدب بعقول مفتوحة وثقة في النفس.
يمكننا العمل على إبراز المشتركات بين الثقافات المختلفة، وباعتقادي هناك الكثير، فلا يمكن أن يكون الإنسان في الهند مثلا مختلفا بشكل مطلق عن الإنسان مثلا في جنوب افريقيا أو المانيا أو اليمن أو الصين؟.

أصدقائي الأعزاء
أدى انفتاح العالم وتبادل الهجرات إلى تلاقح الثقافات، لكن هناك من لا يزال يعتبر الثقافة شيء مصمت غير قابل للإضافة، وهذا يشكّل عبء كبير على الذين يعملون على التقارب بين الشعوب، وبين سكان المنطقة الواحدة التي ينتمي أفرادها لثقافات متعددة.
إن التحدي الأبرز الذي نواجهه اليوم هو التعصب الذي يهدد عيشنا المشترك، هذا التعصب الذي ينطلق الغالب من منطلقات ثقافية، ولذا تقع على كاهلنا مسؤولية التصدي لفكرة ازدراء ثقافات وقناعات الآخرين، لا يمكننا اجبار الناس على أن يعتنقوا قناعاتنا وطريقتنا في الحياة، لكن يمكننا جعلهم يتفهمونها، وهذا الأمر هو أفضل السبل لكي نحترم بعضنا، ونعيش دون كراهية واحقاد وبؤس.
ولنتذكر أن هناك أسباب كثيرة للحرب بين الأمم، لكن شحن الناس ودفعهم للإيمان بها يكون عبر الثقافة ومصادرها المختلفة، لذا يجب أن نؤمن أكثر بأن الثقافة يمكن أن تسهم بشكل فاعل في صنع السلام والتنمية والتسامح، إذا فعلنا ذلك، نكون عبرنا دائرة الخطر، وأسسنا لسلام دائم وحقيقي.
شكرا لكم..
كلمتي في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر ” الوحدة والتنوع ” الدولي ، ايطاليا- فلورانسا