نقلبت الأحوال في صنعاء، وتبدلت وجهات الحرب، بعد إعلان الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، “الانتفاضة” ضد الحوثيين، حلفاء الأمس وشركاء الانقلاب على الشرعية اليمنية. انتفاضة يمكن أن تشكل انقلاباً على الانقلاب الذي نفذه الثنائي، غير أن أبعاده لا تزال مبهمة، ولا سيما لجهة ارتباطه بحرب التحالف العربي على اليمن. إلا أن من الممكن محاولة استنباط هذه الأبعاد، وربطها بتحولات علي عبد الله صالح الكثيرة خلال مسيرة حكمه في اليمن، خصوصاً أن تحالفه مع الحوثيين لم يكن واقعياً أو منطقياً منذ البداية، إذ لا رابط بين الاثنين إلا الضرورة، وتحديداً بالنسبة إلى صالح الذي كان يحارب محاولات إبعاده عن المشهد السياسي اليمني، ووجد في الحوثيين ضالته. إلا أنه، في نهاية المطاف، لا يمكن أن يسلم بتعاظم النفوذ الحوثي في اليمن، والذي يهدّد أيضاً نفوذه، بالنظر إلى الامتداد الإيراني لجماعة أنصار الله، والدعم الذي يصل إليها خصيصاً من طهران، ويستثني صالح وأنصاره.
ومن المعروف عن علي عبدالله صالح قدرته على نقل البندقية بما يتماشى مع مصالحه، ومن الواضح أنه اليوم لم يعد يرى هذه المصالح مصانةً مع الحوثيين. ويبدو أنه قرأ أيضاً مأزق التحالف العربي في اليمن في ظل العجز عن تحقيق أي إنجازٍ ميداني، والضغط الدولي الناجم عن تفاقم الأزمات المعيشية في صنعاء، إثر الحصار المفروض من السعودية والإمارات تحديداً. ومن الجلي أن صالح قرّر، في هذه المرحلة، عرض خدماته لإنقاذ السعودية من ورطتها، فالانتفاضة التي أعلن عنها لا يمكن أن تكون معزولةً عن اتصالاتٍ وتحالفاتٍ جديدة أمّنها صالح، فهي ليست قفزةً في الهواء، يقوم بها الرئيس السابق، والذي يلقب بـ “الراقص مع الأفاعي”. هي رقصةٌ جديدةٌ قرّر صالح القيام بها، هذه المرة لحساب السعودية والإمارات، وهو خير من يحقق لهما مبتغاهما في اليمن، بالنظر إلى سيطرته على الجيش والقبائل، مستنداً تحديداً إلى حالة الامتعاض الكبير في العاصمة اليمنية ومحيطها من التغوّل الحوثي على البلاد والاستيلاء على ثرواتها، وهو ما تبدّى في بعض مظاهر البذخ عند بعض مسؤولي الحوثيين.
على هذا الأساس، فإن حسابات صالح في انقلابه الجديد تخدمه في الداخل والخارج، فهو من الممكن أن يعزّز شعبيته في الداخل، ويساهم في تأكيد إحكام سيطرته على شمال اليمن، بالتأكيد بالتفاهم الضمني مع التحالف العربي الذي سارع إلى مباركة “الانتفاضة” التي أعلنها الرئيس اليمني السابق، وهي الصفة التي بدأ الإعلام التابعللسعودية والإمارات بإطلاقها على صالح، بعدما كان يسمى الرئيس المخلوع أو الشريك في الانقلاب على الشرعية.
بدأت الأحوال تتغير في اليمن، وبات للحرب وجه آخر، غير أن الأمورفي بدايتها، سيما وأن الحوثيين يعوّلون على الدعم الإيراني، والذي قد يأخذ أشكالاً متعدّدة، سواء عبر السلاح أو عبر إيفاد مقاتلين من لبنان أو العراق، بعدما استتبت الأمور لهم في سورية والعراق، إثر إعلان القضاء على “داعش”. الانقلاب الجديد داخل اليمن أو الانتفاضة بالتأكيد لا تعني نهاية المأساة، بل بدء كتابة فصلٍ جديدٍ قد تكون تداعياته أكبر على اليمنيين.