بدأت خارطة تحالفات جديدة بالتشكل في اليمن، بعد رحيل الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، في مشهد منح مراقبين قناعة بأن الفترة المقبلة ستكون محمّلة بأحداث قد تقلب المنحى الراهن للأزمة.
مشهد مغاير اتّسم بتقارب لافت بين حزب “التجمع اليمني للإصلاح” الإسلامي ودولة الإمارات، ثاني أكبر دول التحالف العربي بقيادة السعودية، وبعزلة جماعة “الحوثي” التي باتت بلا حليف استراتيجي.
حزب “الإصلاح” وخيارات الحسم باليمن
وفي لقاء يعتبر الأول من نوعه بالنسبة للإمارات والثاني للسعودية، التقى وليّا عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وأبوظبي محمد بن زايد آل نهيان الأربعاء الماضي، رئيس حزب التجمّع اليمني للإصلاح، محمد عبدالله اليدومي، وأمينه العام عبد الوهاب أحمد الأنسي.
ولئن لم يشكّل لقاء ولي العهد السعودي بممثلي الحزب اليمني نقطة توقف بالنسبة للمحللين، بما أن لقاء سابقاً جرى بين الطرفين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في الرياض، إلا أن اللقاء مع ولي عهد أبوظبي أسال الكثير من حبر الكتّاب.
فحزب “الإصلاح” يعتبر أحد أكبر الأحزاب في اليمن، وقد تأسس عقب الوحدة بين شطري البلاد، في 13 سبتمبر/أيلول 1990، بصفته تجمعاً سياسياً ذا خلفية إسلامية، وامتداداً لفكر جماعة “الإخوان المسلمين”.
وتعتبر إيديولوجية الحزب، وفق محللين، كافية لإقصائه من قائمة التشكيلات السياسية التي يمكن أن تتعامل معها السعودية أو الإمارات في اليمن، وخصوصاً أن البلدين صنفا “الإخوان المسلمين” تنظيماً إرهابياً.
غير أن حسابات الربح والخسارة، وموازين القوى المحلية والإقليمية، علاوة على تطورات الوضع باليمن عقب مقتل صالح، جميعها عوامل دفعت نحو خيار توحيد أهداف اليمنيين في مواجهة الانقلاب “الحوثي” على الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته الشرعية.
كما أن نفي حزب “الإصلاح” أي ارتباط له بجماعة الإخوان، وتأكيده على أنه امتداد لحركة الإصلاح اليمنية التاريخية، فتح قنوات التواصل بينه وبين القيادة الإماراتية، خصوصاً وأن القاعدة الشعبية للحزب يمكن أن تلعب دوراً مهماً في معادلة الميدان، وقد تكون إحدى خيارات الحسم باليمن.
ووفقاً لرئيس الدائرة الإعلامية لحزب “الإصلاح”، عدنان العديني، فقد أقلّت طائرة خاصة رئيس الحزب اليدومي من تركيا إلى الرياض، إثر مرافقته الرئيس عبدربه منصور هادي في الوفد المشارك بالقمة الإسلامية المنعقدة الأربعاء الماضي بإسطنبول.
وأشار القيادي بالحزب، في تصريح نشرته فضائية “بلقيس” اليمنية، إلى أنه ليس هناك أي مشكلة بين الإمارات و”التجمع اليمني للإصلاح”.
و”فك الارتباط” هذا أكدته تغريدة لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أول أمس الخميس، وقال فيها إن حزب “الإصلاح” اليمني أعلن مؤخراً “فكّ ارتباطه بتنظيم الإخوان الإرهابي”، حسب وصفه.
وأضاف قرقاش: “أمامنا فرصة لاختبار النوايا وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي. نعمل بمرونة وهدفنا أمن المنطقة واستقرارها”.
لكن لـ ماجد المدحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، رأياً آخر، حيث قال إنه “من السابق لأوانه الحديث عن انفراجة في العلاقة المتوترة بين حزب الإصلاح والإمارات. فمن الصعب نزع فتيل هذا التوتر في اجتماعٍ واحد، لكنه مؤشر على وجود إرادة لفهم القضايا الكبرى”.
ويبدو أن الرياض مارست ضغوطاً على الإمارات لقبول لقاء اليدومي، بحسب ما ذكره النائب السابق لوزير الخارجية اليمني، مصطفى نعمان، وقال في تصريح لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية: “إن تقييمي للوضع هو أن الرياض قد مارست ضغوطاً كبيرة جداً على الإماراتيين لفتح قنوات اتصال مع حزب التجمع اليمني لأن الحزب في نهاية المطاف يمثل قوة كبيرة على الأرض”.
تعزيز جبهة المقاومة ضد المشروع الإيراني
وبمقتل صالح وعودة الأوضاع باليمن إلى مربعها الأول، بدا أن حسم الأزمة يمر وجوباً عبر حشد القوى السياسية المحلية ذات القواعد الشعبية الواسعة، لتشكيل جبهة مقاومة موحّدة ضد ما يسميه التحالف العربي بـ “المشروع الإيراني باليمن والشرق الأوسط”.
جبهة تأخذ بعين الاعتبار الثقل الشعبي واللوجستي، وهذا ما يتوفر إلى حدّ كبير في حزب “الإصلاح” الذي يمتلك أكبر قاعدة مقاتلين في صفوف المقاومة الشعبية والجيش اليمني، وهذا ربما ما جعل التقارب بينه والإمارات يتم بصورة مفاجئة نظراً لحاجة كل منهما للآخر.
ووفق محللين، ترمي الإمارات من وراء تقاربها مع “الإصلاح” إلى خلق حافز لحزب “المؤتمر الشعبي العام”، للانضمام إلى ركب المؤيدين للشرعية.
وهذا انضمام قد لا يكون لحزب الرئيس الراحل أي خيارات أخرى غيره، خصوصاً وأن الطريق باتت مسدودة أمامه عقب تصفية زعيمه، وفي ظل استئثار الحوثيين بالسلطة، علاوة عما تعانيه كوادره من عمليات تصفية جسدية وملاحقة وتنكيل في صنعاء.
فانسداد الأفق أمام الحزب يدفع بقوة نحو انضمامه إلى الجبهة المؤيدة للشرعية باليمن، واستكمال مسار زعيمه الراحل الذي أعلن قبيل مقتله فض شراكته مع الحوثيين، ودعا إلى الانتفاض ضدهم في صنعاء وجميع المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وبهزيمة الحزب الأخيرة أمام حلفاء الأمس، تشير معظم المعطيات الراهنة للمشهد اليمني بأن انضمام حزب المؤتمر لخط الدفاع الأول ضد المشروع الإيراني الذي استفاد من حالة الصراع في البلاد، بات مسألة وقت فحسب.
تقارب محتمل بين “الإصلاح” و”الانتقالي الجنوبي”
وفاقم التقارب الإماراتي مع حزب “الإصلاح” – على ما يبدو – من عزلة الحوثيين في اليمن، حيث باتوا منفردين في مواجهة الشعب اليمني، وهذا ما ترجمته ضمنياً تغريدة محمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى بـ “اللجنة الثورية العليا”، عبر “تويتر”، والتي اعتبر فيها أن التقارب “مؤشر على تصعيد عسكري جديد مصيره الفشل”.
غير أن المعطيات على الأرض أظهرت منحى مخالفاً تماماً لتوقعات الحوثيين، حيث يتوقع محللون يمنيون تقارباً و”خطاباً تصالحياً” بين حزب “الإصلاح” وما يسمى بـ “المجلس الانتقالي الجنوبي”، في المرحلة المقبلة.
ويتبنى “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي أسسه عيدروس الزبيدي، وهو المحافظ السابق لعدن (جنوب)، الدعوة إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، والعودة بالأوضاع إلى ما قبل 1990.
ووفق المصادر نفسها، فإن الهدف الرامي إلى استعادة الشرعية باليمن وطرد الحوثيين منها، قادر على جمع الأضداد واستقطابها، خصوصاً في خضم التعقيد الذي أورثه مقتل صالح، واستعادة الحوثيين لكامل نفوذهم في صنعاء.
هدف من شأنه أن يمنح جميع الخلافات القائمة بين المكونات اليمنية هدنة تسمح بمواجهة الحوثيين، في إطار خارطة تحالفات جديدة لا تستثني قيادات التحالف العربي، سعياً نحو حسم يكبّله حتى الآن جمود عسكري وانسداد سياسي جعلا الأزمة اليمنية تتخبط في دائرة مفرغة.
وبالفعل، بدأت خلال الأيام الماضية، عملية عسكرية كبرى للقوات الحكومية والتحالف العربي، في السواحل الغربية على البحر الأحمر، تمكنت فيها من السيطرة على مناطق استراتيجية في محافظة الحديدة.
وتسعى العملية إلى السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، الذي يُتهم الحوثيون بتهريب الصواريخ الإيرانية عبره.
وأعلن قادة عسكريون في التحالف العربي، الثلاثاء الماضي، أن قوات من الحرس الجمهوري الموالية لصالح، تساند العملية العسكرية في الساحل الغربي، في خطوة قد تشدد من الخناق على الحوثيين.