اخبار اليمن – تهامة برس
أبابيل نت – هاشم الصوفي
أصغرٌ مقاتلُ بينَ صٌفٌوفْ المقاومة .. يحملُ سّلاَح ويرتدي جٌعبة ومَعْوَزْ بالكَادْ يٌغَطّي رٌكْبتِه.. ويلفٌ حول خَصِرِهِ حزَامْ عسكري او ما يعرف هنا “بالقايش “.. رأيتٌه يمشِي مع المٌقَاتلينْ ويركَبٌ في مؤخّرَة الأطقم كما يفعلوا المرافقين ويمسكٌ السّلاح مثلهم ،كرجلٍ مٌقاتل كبير .
حقيقةً..
كان مَنْظرٌ بَدِيعْ لهذا الصبي البريء “وهو” يحملٌ السّلاح ويٌقَلّدٌ انه مقاتل هكذا تبادر الي ذِهْني في البداية ..!كنت معجباً به وبهيْئتِهِ التي بدا فيها أنيقاً ..!لكنني لم أكن أعلمْ انّه يمكن ان يكون مٌقَاتِلاً ،وإنما مِثلٌهٌ مِثلْ “الأطفالْ” الذين نَراهم هذه الأيام في الشوارع والأسواق يَحمِلٌونُ السّلاح بجوار أباءهم كنوع من التّفَاخٌرْ والتّبَاهي بِهِمْ أمامنا وامام الاخرين ..هكذا ظنيتٌ في بداية الامر ..وكٌنتْ أتَمنّى حِينَهَا أن التقط لي صٌورة معه وحبذا لو تكون “سِلْفِيْ” ،ولكن عدم مَعْرِفْتِي بهْ كان العَائقْ أمامِي على الأقل في ذلك الوقت ..
في إحدى الأيام وبينما كنت أمٌرٌ في حيّ الروضة مركز القيادة والتكتيك للمقاومة، كَانَ نظري يَجٌوْلٌ بين أفرادْ المقاومة المٌتواجدين هناك بإعْجَاب شَدِيدْ وهو يتَفَحّصْ تَفاصِيلْ هؤلاء الأبْطَالْ الذين أوقَفٌوا “شاصات” الكهف التي قدمت لتَلْتَهِمْ تعز الحالمة ..وفجأة مَرّ طقم مٌدَجَجْ بالمٌقاتلين وبِسرعة البرقْ من جواري، كان يٌقِيْلُ قرابة عشرة أفراد ،يتوسطهم واحداً يلفٌ اللثَامْ على وجْهِهْ ويقف في منتصف الطقم ويَداه على مقبض الرشاش وأصابعه على زناد ..!
“فجأة” لمحةٌ ذاك المقَاتلْ الصّغِيرْ بينهم يتَواجدْ على مٌؤخّرَةْ الطقم ،لمحتٌه ولم أصّدقْ عيني إنْ كانَ ما رأيتَهٌ “هو” ولأنّ سٌرعة الطقم لم تكون في صَالِحِي لكي اتأكدْ وبينما كَان الطقم يٌوشَكْ على ان يَخْتَفِى من أمام نظري ..فجأة توقف قليلا !! وأخذَ اللّفّة ليعٌودْ من نَفْسْ الشارع الذي كنت أقفْ عليه ،فكانت فٌرصة لِيْ لأتأكد من ذلك ؟ !
وما إنْ إقتَربَ منّي حتى خَفّتْ سٌرْعَتَهٌ.. كان السّواق مٌنْشغلاً مع الهاتف الذي يلتَصِقْ بأذْنِهْ ،أمّا أنا فكُنتُ مٌهْتَماً في البَحْث عن الحقيقة وما إن بَرَزَ أمامي حتى ظَهَرَ لي طفلاً يٌقاتِلْ وعلى وجههِ إرْهَاقُ وتَعبْ وكأنّه عائداً من مَعركةْْ ..
!!صدمةٌُ كبيرةْ هالة عليّا في ذلكَ الوقْتْ وتَحَوّلَ إعجابي بالمقاتلين الي سَخَطٍ وغَضَبْ عليهم ..
كيف لهٌ أن يٌقاتلْ ؟وكيفَ لَهْم أنْ يَسْمَحٌوا لهٌ بمٌرافقتهمْ ؟ .. ما يزالٌ “بكر” صغيراً ولمْ يَقْوى بَعْدُ على حمْلُ السّلاحْ ولا على القَتْلْ وسَمَاعْ أصواتْ الرّصَاصْ ..
مٌنْذَهِلاً ومَذْهٌولاً.. واصَلْتٌ السّيرْ على الأقدَامْ ونَسْيتْ ان أستقِيلَ الباص حتى نِهَايَةْ شَارِع التحرير حيث مكان الفندق الذي نَزَلْتٌ فيهْ مع رفَاقِيْ الأرْبَعَةْ “محمد وشهاب وحسام وبسام” .. وصلتُ اليهمْ ودون تَحيةْ ولا ابتسامة بَاشْرْتُهُمْ بالكلامْ عن المقاومة التي يَقْحِمٌونْ الأطْفَالْ في القِتَالْ .. “أطفالُ يقاتلون” كما يفعلُ الحوثي تماماً ..وهذا لا يجعَلُنِي أرى بينها وبين العدو فرقْ ،وأرْويْ لهم قصة طِفْلاٍ على طقم يَحملٌ سِلاحاً وجٌعْبَةْ!! ..
أليستْ جَرِيْمَةُ هذهْ ؟
في المقابل ..نحنُ لمَاذا نٌقاتِلْ الحوثي ؟
أليس لأنّهمْ جَاءوا يٌدَمرٌونَ مٌستقبلنا ومٌستقْبَلْ أطفالنا الذين هم بعمر هذا المٌقَاتِلْ ؟!
نحن.. نٌدَافِعٌ عن مُسْتْقبَلِ اولادُنا ولهَذا نُقَاوَمْ ومٌستعِدّينَ للتّضْحِية من أجْلهمْ ..!ونٌعَارضْ ومُسْتَعّدينْ للمَوتْ ليَعِشُوا “هم ” الأطفال ؟! وانتم تقاتلون بالأطفال فلمن المستقبل سيكون اذا ؟..
أي مٌقَاوَمَةٍ هذهْ التي تَسْعى الي إنقاذْ “وَطَنٍ” ولو علي تدمير أجْيَالٌهْ ؟ ..! قد نَسْكُتْ ياشباب ونتغاضى مثلاً عن أخطاء المقاومة ولا مانع لدينا أنْ نُبَرّرْ لبعض سلوكيات السيئين الذين يَرْتَدٌونْ إسم المُقَاوَمَة وشعارُها ليرْتكِبُوا أخطاء لا تٌغْتَفَرْ.. “ولكن !! السّكوتْ على الزّجْ بالأطفالِ في القِتالْ “خِيَانَةٌ وخِيَاَنةْ” ..على هذا الرأي كنت مصراً في أخِرْ مَحَطَةٍ للنقاشْ وأتّفَقنا على أنْ في أقربِ لِقَاء بِقيَادةْ المُقاومَة نَطرَحُ لهُ الموضوع ومَخَاطِرَة وخُطُورَتَهُ وكيف سيَكُونَ بِيئةٌ خصْبَة للنقدْ وهُجُومْ أبَواقْ الرأي العَامْ ومُنظماتْ السّلامْ و حِمَاية الطفُولَة ..
ذهَبْتُ إليْه ..الي حَيْثٌ يَلتَقِي بالجميع ،وكان مٌنشغلاً بِلِقى المجاميع “قَيادات الكتائبْ” ،وكانَ عليّا الإنتِظارْ حتى يَنتهي ..كان “بَكْرْ” مْوجُوداً فهو عادةً يُرَافُقُ عَمّهُ الشيخ ..وعلى جانب المكان كان قد إنْزَوى “بـكـر” واتّخَذَ منه مكاناً ليُقَلّبَ جوالهْ ويلعب به ..بينما أنا رأيتُها فرْصَة للجُلوسْ مَعَه والحَدِيثْ خُصُوصاً بَعدْ أنْ طالَ إجْتِمِاعْ القَائدْ ..
بَـكْرْ ايّهَا البَطَلْ ..
بهذهِ العبارة ناديته بعد أنْ إقترَبْتُ منهٌ وجَلستُ بِجِوارهْ ..
-كَانَ أبٌوكَ صَدِيقي وعِشْتٌ معه قرَابَةْ العام في سَاحَةِ التّغيْيرْ ،تحت خيمة وفوق طبليات من خشب وعليها سٌجّادْ مُهْترئْ ..وبدأتْ أسْرُدُ له بعض مواقفَ أبِيهْ ومَشَاهِدي معه .. حَدّثْتُهُ عن نِضَالُهُ الطّويل وأنّه كانَ يَسْتَحّقُ أن يكون شيء بعد الثورة ولكنهم تَجَاَلوه كما تجاهلوا كُلّ مَنْ كانَ أحَقْ ليَحْتَفِظُوا بِمَنْ لا “حَقّ” لهم ..فأوْصَلُونَا الي هذا الوضع الأسْواء في تأرِيخِ اليمنْ والجَزِيرَة..
..كان لابُدَ مِنْ بدَايةٍ كهذهِ حتى تُزِيْلُ الفَوارَقَ بيننا ونٌزِيحُ قليلاً منْ الحَواجِزَ لأنّ ما سأنَاقِشَهُ مع “بـَكْرْ” كان يفترض أنْ يكون مع القّائد او على الأقلْ مع أشخاص كِبَارْ بالسّن وليس مع صَبي بعمر “بـكْرْ”، هكذا ظنّيتُ في بداية الأمرْ حينَ حسّيتْ ايضا أنّي قد بَنَيتْ جُسُورْ الثقة مع “بـكْرْ” ولو مُؤقتة لكنها تكفي لأبدا بطرحْ موضوع حَمْلهِ للسّلاح و قتالِهِ في المقاومة <<
وصحيحٌ أنني كنتُ غيرَ جاداً وأنا اتَحَدّثُ اليه لأنني أعْرفٌ أنّهُ مازالَ صغيراً و أنّ أي شخصٍ بعمرهِ غير قادرْ على فِهْمْ الأمٌورْ او إدراكْ المَخَاطِرْ.. لهذا كنت حاداً وصَادِماً في كَلامِي معه ،بينما هو بدا في البداية وكأنّهُ مُطِيعاً لحَدِيثِي ومُنصِتاً لما أقولْ ”
-بـكْرْ أنـت تحملُ السّلاحَ ليش؟؟أنــتَ؟ لا تستَطِيعْ أنْ تُقَاِتلَ وما عسَاكَ أنْ تَفْعَلَ أمامْ “ألويةً وكتائب” تدَرّبَتْ على حُرُوبٍ لسنواتْ .. إتركْ القتَالُ للكبارْ والمجانين هؤلاء ؟!! وبدأت أسْرُدٌ عليه المُحَاضرَة التي كنتُ قد أعَدّيتُهَا في رأسْي مٌسْبَقاً عن الصّراعِ وعن هذا الوَطنْ التّعِيسْ الذي يَخْذٌلٌ كلّ منْ يقف في صَفّهْ أو يُحَاولُ أنْ يكون وطنياً ..
أنــت صغيراً.. والكلْ يَتَحدّثْ عن جَريمَةِ “تَجْنِيدْ الأطفالْ “ولهذا أعتقدٌ بأنّ أبُوكَ ضَحّى بنَفسِه من آجلكَ أنت ومستقبلك ؟ّ!!..
لكن ان تقاتل هذا ليس المَنْطِقْ الذي يقول أنك ما زلتْ صغيراً ومن الخطأ أنْ تحمل السّلاح وانت بهذا العمر والحجم ،بل وجريمة اقحامك في معركةٍ لا تَرْحَمْ ومع عدو قذِرْ يعتمد في حَرْبِهِ على بَشرٍ أنْتُزِعَتْ مِنْهُم الإنسانية وتَحَولُوا الي آلاتْ خاوية وخَالِية من أي إحسَاسْ او مَشَاعِرْ ،مٌجردْ ألآت على هيئةٌ بشرٍ ،مٌورسَا عليها أساليبَ التغْرِيرْ وحَشَوْهَا بإرهَابٍ وإنْتِقامٍ ومن ثمّ زودتْ بسِلاحٍ وذخيرة..
’’وبدأت أتحمس وكأنني ألْقِي مُحاضر امام تلميذٍ يرْفضُ الإنصات أو الفهم ..ولهذا توقفتٌ حتى أخفف عليه من الضغط ..خصوصا بعد أن رايته وقد إحْمَرّ وجهه غضباً و بدا يتجاهلني وينشغل بتلميع سلاحه بالشال الذي كان يرتديه “>..
-أتَظُنُ أنّك وبهذا السّلاح الذي لم يَعُدْ يُستخدم سوى في الاعراس والمناسبات الإجتماعية سيُوقِفَ الحوثي أو أنّ المقاومة لن تنتصرْ الاّ بك ؟!!نحن نعرف تماماً واقعنا ونعرف صراعنا .. كما نعرفُ ايضا أنّ “بـكْرْ” لن يكونَ سوى ضحية بعد تسوية سياسية ستجرى في أرقى الفنادق والدول ..هذا الوطن يا صغيري مَقْبَرة الثائرين ،وتَعاسَةَ الاحرارْ ..
أنصحكَ..ان تعيش صغيراً وأن تظّلْ كما انت صغيراً ،لا تحاول ان تَكْبَرْ وتمسك بِصِغَركْ ،ببراءة طُفُولتكْ..وان تتجاهل سَخَافَاتْ الكبار ..هكذا كنت أحدثه ومستمر على نفس المنوال ..
فجأة قاطعني متمتما :
– تمام تمام..!!
ولم يسمح لي ان أكمل الحديث وكأنّ الجملة الأخيرة من كلامي قد ازعجته او كُلّ كلامي لم أعرفْ حينها ولكنه كان غاضبُ ولا يريدني الاستمرار..
ليقول : “هذا الكلام أعرفهُ ،وسبقَ لي أن سمعته ومِنْ ألفِ شخصٍ حدّثني به ..وكأنّه عبارة عن اسطوانة اصبح يرددها كُلّ منْ إلتَقْيتُهُ من الناشطين او الصحافة ..
-قلتُ: مهلاً ..
قالَ بل مهلاً عليك .. ما لا تعرفه يا أستاذي أنني لست “بـكْرْ” الذي تَتَحَدّثُ عنه أنت وزملائك من قبلكْ ..!!!!!
أو بالأصح لَمْ أعُدْ هو ..أنا شخصُ أخر ..شخصُ غادرَ “بـكر” وطفولته يوم أنْ إسْتُشهٍدَ أبيه ،ليُحَمَلَ قضيتَهُ وسِلاحَهُ ومكانهُ في المعاركة ..
بهذه الكلمات..” بدأ” معي في الحديث ..وبلهجةٍ حادةٍ وغاضبهْ .. جعلني أنصِتُ بكل سكينهْ ..متفاجأً من حديثه وكيف بدأ فيه !!حاولتُ حينها أنْ أرسُمَ إبتسامةً إعجابٍ “متمتماً” لما يقولْ .. بينما هو إستَمَرّ في الحديث وعينَهُ بعيني ..
فعلا ..
أنا لم اعدْ “بــكْرْ” ،فمِنذٌ أنْ سَمّى الوطن أبي شهيداً .. سَمّانِي أنا بإسْمِهْ ومنحني سَلاحَهُ ومكانه في الميدان ..ألسنا جميعا ابناء هذا الوطن “تعز”؟؟ والدافع عنه واجبنا جميعا ؟!.. وانا ابن مطيع “ك ابي” حين ناداهُ للكفاح ،حمل السّلاح وقاتلَ بشجاعةٍ وحين طَلَبَ مِنْهُ التضحية ،لم يتردد .. وأنا لستُ اقلّ رُجُولةٍ من أبي ولا اقل حباً لـ تعز منه ولا جباناً كي أتخلى عن عرضي وأرضي وأغادر القرية كنازحٍ أو الي خارج البلاد كهاربْ ..
لا ..
أنا مِنْ يوم أنْ أسْتُشهدَ ابي تركتٌ “بـكْرْ” وحَمَلْتُ بندقيّةَ “الشهيد عزالدين” التي دافعَتْ عن تـعز ومنذ ذلك اليوم لم أفارق السلاح ..بمعنى ان يوم استشهاد ابي انا ولدت وعمري اليوم صار أربعة اشهرٍ ويومان ..ولدُتُ في ذلك اليوم الذي رَوَى ابي تربة هذا الوطن بِدَمِهْ ليُولَدَ ألفُ عزالدين وأنا واحداً منهم ،وأنْظر الي صفوفِ المقاومة كم أتاها وكم صار العدد ؟؟ .. فمع سقوط كل شهيدٍ يزدادُ عددنا الفاً في المقاومة ..
ولدتُ بعمرهِ وبشجاعتِهِ لأحْمِلَ “القضيةَ والهدف ،لا الثأر والانتقام” ..
لا تستغرب ..فالحِسْبَةَ يا عزيزي تغيرتْ كما كُلّ شيء تغير في هذا الزمانُ وصار العمر لا يقاس بمرور الايام وانما بحجم القضايا التي تحملها وايمانك بها…
كان بـكْرْ” يتحدثُ بصوتٍ عالي ومشدودْ وكأنّ الكلمات كانت تتقارح في فمه غَضباً وقلقْ ..لا يريدُ لأحد أن يقولَ له ما تفعله خطأ ،بل يريدُ من الجميع ان يشجعه ويرفع معنوياته وأن يَرَوهُ بطلاً ،،لا ان يثبطوا عزيمته ويراه ضحية .. هكذا حسيتٌ من نبراتِ صوته التي كانت تتسللُ كتنهدات اثناء الحديث ..
..
-لا أخفي عليكم أنّي كنت مصدوما ومتفاجأ من ما أسمعه من بـكر، وكأنّ الذي امامي ليس هو وليس ذلك الطفل الذي كنت أعتقدهُ وأظنه ..لقد صِرْتُ “أنا” امام ما يٌطْرَحْ طفلاً يصغي لأستاذ في الفلسفة ..
وبينما انا منشغلاً بين الأبَهَارْ والإعجاب بما يقوله “بـكْرْ” ،كانَ هو قد هدءَ قليلاً وتغيرتْ نبرتُ صوته وهو يقول :” انا معك ضد تجنيد الاطفال ولكني لستُ جندياً ،ولا في معسكر ولا ليس لي رقمُ عسكري ..انا مواطنُ أجْبَرَ على حمل السّلاح ولم أكنْ أحترفه من قبل ،انا مُقَاتِلُ لا جندي.. ادافعُ عن مدينتي وعرضي “.. وحين تراني أحْمِلُ السّلاح خارج تعز وأوجّههٌ الي صدور المدنيين، حينها يمكنك القول أنّ حَمْلِي للسّلاح جريمة ..أمّا ما دمتُ أحْمِلُهُ امام منزلي ،فأنا ادافع عنه وعن عرضي ،خصوصا بعد ان استشهد ابي وهو يقوم بذلك ..صرت انا من اقوم به ..
-حاولتُ مُقاطعته وقلتُ له لكن أنْ يحمل الصغار السّلاح فهذا خطأ مهما كانت حجم القضية والتبرير له ..فمثلما نحن نقول أنّ الحوثي يقاتل بالأطفال ويزج بهم في الحروب ،فهم يرون المقاومة تقوم بالمِثلْ ؟؟
لا لا لالالالالا
ظل يرددوها كثيرا ويتبعها “ومن قال لك ذلك ؟..
“سؤالُ اخر مُستفزُ اعاده الي الغضب مرة اخرى ” ..
أنا لست مثله ولا شَبَهَ بيننا ..
هو قاتلٌ بينما انا مُقاتلْ ..هو نزل الي هنا يحمل سلاحاً مفتوح الزناد وفهوتَهُ موجّهة نحو صدورنا ومنازلنا، هو نزل ليَقْتُلْ ،اما انا لم اذهب اليه ولم أخرج ،في مدينتي ما زلت ولدي سلاح لم يصوب يوماً نحو أعزلْ او غير مسلح ،بينما هو يصوب سلاح ومدفعه نحو مدينة بأكلمها ..اليس كذلك؟؟؟
انا مقاتلاً بينما هو قَاتِلْ هذا الفرق يا صاحبي ،،فلماذا تتجاهله رغم انك تشاهدهُ وقريبا منهُ وهاربا منه بعد ان كنت في صنعاء مغتربا في وطنك ..
ولمـاذا ايضا تَنْصَحُني بأن لا أقَــاتِلْ ؟
ألأنني صغيـر؟؟ وخوفاً عليا من أن أقْتــَلَ؟؟ او اكون ضحية في هذه الحــرب ؟!
ههههههه !!!بدا ساخرا وهو يقول :
وكــــأنّ هذا المجـــرم الواقـــف في باب المدينـــة اتى ليطارد المجرمين ويقتل المسلحين فقط
كم طفــلاً صــار ضحية حتى الانْ ؟!! هو لم يقاتل فلماذا يُقتَلْ اذاً ؟!
وكم طفلاً قتلته هذه الحرب يا ترى ؟ ونظر اليا ليقول :هل عديتهم ؟؟فهم كثر ،، والمقابر شاهده على انّهم صاروا بالمئات.. فلماذا قتلوا ؟؟؟..
“قتلوا وهم يلعبون ،وقتلوا وهم نيام وهم مرعوبين من شدة قصف العدو على المساكن .. لم يقتلوا وهم يحملون السّلاح ولم يكونوا في المتارس .. ومع ذلك قتلوا بدم بارد ودون رحمة.. فالحرب عندما يقودها أوغاد لا تستثني أحد ولهذا وجب على الجميع الدفاع عن نفسه لانهم يَهَبُونَ الموت للجميع ولا يستثنون صغيراً اوكبيراً ،فلا فرق بين مُسَلاحٍ بمدفع او مدني بقلم وكتاب فجميعهم امام فهوة البندقيةِ سواء ..
وبدا ساخرا يريد التقليل من ما طرحت عليه قائلا :فقط نريدكم أن تَحْمُوا هؤلاء الاطفال لا ان تخافوا علينا وان تمنعوا القذائف من أنْ تطالُهم واعتبرونا نحن سُذّجْ ومودفين مثلاً.!! هل تستطيعوا ؟..
أن تُقْنِعُوا العدو مِنْ ان لا يَقْتُلْ الأطفال والنساء وان يُواجِه الرّجَالْ في الجبهات ليقاتل برُجَولَةٍ وشجاعة ،فنحن قريبين منه وهو يعرفنا ويعرفٌ جبهاتنا فلماذا قذائفه تطلق الي شارع التحرير وجمال كل يوم ؟!!
أتظنُ يا هذا انني أحب القتال او حمل السّلاح والعيش في ظروفٍ كهذا بين الموت والموت فقط.. او انّ ابي كان يحب ذلك او عمي قائد المقاومة او كل المقاومين يحبون ان يقاتلوا..
أجننتْ!!
نحن تعزين نحن المدنية فلماذا تعاملونا وكأننا لسنا من تعز الثقافة والعلم .. نحن فقط ندافع عن حياتنا في راضنا التي يريد هذا السفاح ان يقتلها علينا ،نحن ندافع عن الحياة من الموت ..
…….
سأعترفُ لكَ بانني صغيراً ،وانه خطأ ان احملٌ السّلاح وانا بهذا العمر،،و سأقول لك كي تطيب نفسك ايضا ..بانني أحلمٌ بالعودة الي البيت وأجلسُ بجوارِ “أمي “التي تقلقٌ عليا طوال الوقت والحين وقلبها لا يتوقف عن الدعاءٌ لي خوفا من تراني وقد اصابني مكروه ..أريدُ العودةَ الي الحارة وأطفالها لنبحثَ عن ما نَلْعَبُ به ولو بكورة من قراطيس كما كنا نفعل قبل الحرب.. أريد ان اعود الي طفولتي ..
فقط اوقفوا هذه الحرب وسأعود ؟!
اوقف هذه الحرب وابْعِدُ هذه الكائنات من ابوابنا وعن مدينتنا تعز وسأعود طفلا ورب البيت ،يبحث عن مدرسة وعن ملعب ..
ومن ثم توقف قليلاً وقد خفّ صوتُه الذي بدأ حزينا وساخرا عند هذه العبارات :احلم بأن اعود الي بـكْرْ”..
لكن..
-هل تَضْمَنَ لي ان الحوثي لن يدخل المدينة ويقتحم مؤسساتها ولن يعتدي علينا ويقتلنا ويفجر منازلنا ؟؟هل تضمن بأنّه لن يفجر مساجدنا ولن يغير الأذان والخطيب ولون المنارات ؟؟
-هل تضمن ان مدارسنا ستظل كما هي ولن تتحول الي ثكنات لكتائب الحسين وكتائب الخمين ومسميات أخرى ؟
-هل تضمن بان السجون ستظل خاصةً بالمجرمين لا ان نراها وقد امتلئت بالناشطين والصحفيين والسياسيين ،واصحاب الراي ؟!
-هل تَضمن بان تظل مدينتنا كما هي وشوارعنا دون نقاط تفتيش لمسلحين مدنين يرفعون شعار الصرخة الايرانية وليس الطائر الجمهوري ؟!
-وهل وهل لا شك أنك وغيرك من كتاب الراي لن تظمنوا ذلك و لن تستطيعوا فعلُ شيْء ،امامه ، حتى حماية انفسكم اصبحت عاجزين عنها ..
اليس كذلك ..؟؟؟
لم اردّ عليه ،
..لأنني وبصراحة ما زلت حتى اللحظة محتاراً من كلامه وكأنني قد دخلت في غيبوبة الذهن واصبحت اسمع ما يقول ،مستسلما له ،ولكنني غير قادر على الرد ولا حتى بلغة الاشارة ..
فقط كنت أستطيع ان اتحدثُ مع نفسي بينما مع “بـكْرْ” لا ..
لم ارد ولم اعد قادرا على الرد ،بينما هو عاد لتحدث بعدما رأى ان الرد تأخر وسمعته يقول بسخط الكبار عندما يزعلون :نعم سأقاتِلْ وأقاتل وانتم ظلوا كما انتم تتحدثون وتتحدثون ..
سأقاتِلْ كرجل رفض ان تسقط مدينته بيد القتلة والسفلة والاوغاد
او كـ حرٍ يأبى الاستسلام لمغتصبٍ قدم من ما وراء التخلف ليحكمني بالقوة ..
سأقاتل كـ طفلٍ فلسطيني يواجه دبابة العدو وبيديه حجرة ،مع انه يعلمٌ تماما ان الحجرة لن تضرّ دبابة ولكن وقوفه وحجرته وشجاعته ترسموا موقفاً رافضا للاحتلال بشجاعة ،نعتز به نحن العرب جميعا وينبهر العالم منه كافة .. فلماذا لا تقولوا عن ذلك تجنيد اطفالٍ والزج بهم في الحروب ؟!! ببساطة لأنه يحملوا قضية ..
وانا مثله احملوا قضية وقضية احتلال فارسي قدمَ من اقصى الشرق يرتدي عِبايةَ أخُ لي “مٌتخلّفُ وجاهلْ” واخر حاقدُ ومنتقمْ ، قضيتي الدفاعُ عن طني “اليمن”وقبلتي “مكة ” وامتي “العرب وصولا الي الاقصى ” ..
نعم انا مثله ..سأقاتِلْ وساقف بحجمي هذا وبعمري أمام هذه الكائنات التي اخافت وخوّفتْ الجميع وفرّ منها كل منْ كان يرى نفسه الحاكم والقائد والمسؤول والأمر والناهي في هذا البلد ..نعم فروا جميعا ووقفت انا ..سيسجل التاريخ ذلك ،وسنقرأه معا هذا ان بقيت على قيد الحياة وان لم ستقرأه الاجيال في كل الفصول ..
سأقَاتِلٌ
كانت هذه اخر ما قال لي ومن ثم غادر غاضباً ودون وداعْ الي حيث ينتظر الحرس الشخصي لقائد المقاومة ..
-حينها كنت اقول لنفسي المَطمُورة بالحيرةِ والخجلْ في آن واحد ..
“بـكْرْ” معه حق فيما يقول أمْ انني انا مصدوما من كلامه الذي كنت لا اتوقعه ؟؟
لا ..بل مع حق ..
فلماذا نرى قِتالُ بـكْرْ” غلط “،ويجب ان يتوقف.. ولا نذهب الي ذاك القاتل القادم من صعدة والواقف في ابوابُ المدينة ومٌصَوبْ مَدْفَعَهُ نحوها ونقول له أن ما تفعله غلط ويجب أن يتوقف ..
ولماذا أدين “بـكْرْ” وانا لم اراهُ يَقْتُلْ ولا يَقاتِلْ مَدَنِينْ وانما يواجه مسلاحاً يريد قتله،بينما ذاك الواقف في اطرافِ المدينة يواجِهُ مدينة مكتظة السكان والمأساة وترى كل يوم طفلا وامرأة يسقطون إثرَ صواريخه المسعورة .. أينَ القَاتِلُ الحقيقي اذاً . ?
وعلى من يتواجب علينا ان نفتح افوهنا واقلامنا نحوه على من يدافع عن نفسه ام على قاتل الانفس ؟
اين الجريمة والمجرم اذاً؟؟
“تبا “لهذا الوعي المزيف الذي يُحاول ان يشغلنا بقضايا هامشيه ويبعدنا عن العلة الاساسية ومحور الشر الحقيقي الذي يعصف بهذا البلد ..
كنت اود الاعتذار لــ بكرْ” ولكني لم استطيع ..خذلتني الكلمات في ذلك الوقت واصبحت عاجزا عن النطق ولو بكلمة.. حتى لساني شعرت وكأنها تمردت واصبحت عصية على الحركة.. لهذا غادرت منكسرا بشعور شخص اسْتُهْزِئ بهِ دون رحمة ..
عذراً يابــكْرْ ويا كلّ القراء اقولها هنا – بـ طريقة يابانية – منحنيا غير وأقفْ.. انا وكل حروفي .. ” تعظيم سلامٍ” امام اصغرٌ مقاتلْ في المقاومة الشعبية بتعز
المصدر: أبابيل نت
تعرف بالصورة والتفاصيل على أصغر مقاتل في المقاومة في تعز