رد الحوثيون على دعوات مجلس الأمن الدولي إلى الوقف الفوري للهجمات دون شروط مسبقة وإدانته التصعيد الحوثي المستمر في مأرب برفع مستوى التصعيد إلى درجة غير مسبوقة، تمثلت في تنفيذ سبع هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة على مناطق مختلفة من السعودية بينها العاصمة الرياض، تمكنت الدفاعات الجوية السعودية من إحباطها بحسب مصادر سعودية.
وأدان قرار لمجلس الأمن الدولي، تقدمت به بريطانيا، الخميس هجمات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الأراضي السعودية وجدد العمل بلائحة العقوبات المفروضة على عدد من القيادات الحوثية، إضافة إلى تمديد عمل فريق الخبراء الدوليين.
وبدلا من التنصل من العمليات سارع المتحدث باسم الميليشيات الحوثية، يحيى سريع، إلى تبني الهجمات في بيان أكد أن التصعيد يأتي في سياق خطة عسكرية حوثية أطلق عليها سريع اسم “عملية توازن الردع الخامسة”، وقال إنها “استمرت منذ مساء السبت حتى الأحد باستخدام صاروخ باليستي من نوع ذوالفقار و15 طائرة مسيرة”.
وذكر المتحدث أن تسع طائرات من طراز “صماد 3” استهدفت “مواقع حساسة” في العاصمة السعودية الرياض، فيما شنت ست طائرات من طراز “قاصف 2k” ضربات على “مواقع عسكرية في مناطق أبها وخميس مشيط”.
ويسعى الحوثيون لدفع المنطقة إلى حافة صراع مفتوح، بهدف تحقيق مكاسب آنية في ملفّي اليمن والاتفاق النووي الإيراني، مستغلين حالة الاندفاع الأميركي والأوروبي نحو التوصل إلى تسوية في المنطقة والارتباك الذي تبديه الإدارة الأميركية في التعاطي مع ملفات المنطقة.
وفي تأكيد على ارتباط التصعيد الحوثي بالأجندة الإيرانية كشفت صحيفة “كيهان” المقربة من النظام الإيراني عن تورط الحوثيين، الذراع العسكرية الإيرانية، في الهجوم على السفينة الإسرائيلية قبالة الشواطئ اليمنية في بحر العرب، وقالت الصحيفة في عنوان على صفحتها الأولى “الأفعال القاسية في سوريا تم الرد عليها في اليمن و بحر عُمان”، في تبنّ واضح للهجوم الذي استهدف الجمعة سفينة شحن إسرائيلية في خليج عمان، والذي جاء ضمن سلسلة من الاعتداءات المشابهة التي تسعى طهران من خلالها لبعث رسائل تتعلق بقدرتها على تعطيل ممرات الملاحة الدولية في حال نشوب أي صراع عسكري مباشر بينها وبين الولايات المتحدة على خلفية تعثر الاتفاق النووي.
وجاءت الهجمات الحوثية المتصاعدة على الأراضي السعودية واستهداف سفينة الشحن الإسرائيلية ردا على الضربات الجوية الأميركية الخميس على منشآت تابعة لجماعات مدعومة من إيران، شرق سوريا، وهي الضربات التي جاءت في الأساس ردا على الهجمات الصاروخية التي نفذتها ميليشيات موالية لإيران على أهداف أميركية في العراق، الأمر الذي يضع كل تحركات واشنطن العسكرية في دائرة رد الفعل وليس في خانة المبادرة وفرض قواعد اللعبة في المنطقة.
وباتت طهران تجاهر في الآونة الأخيرة بسيطرتها على قرار الميليشيات الحوثية في اليمن وتوجيه عملياتها لخدمة الأجندة الإيرانية، كما تتولى التنسيق بين عمليات التصعيد المتناغمة التي تنفذها أجنحتها العسكرية في العراق ولبنان وسوريا واليمن، والتي تصب جميعا في خانة الابتزاز الإيراني للمجتمع الدولي ومحاولة انتزاع تنازلات غربية في ملفها النووي والاعتراف بدورها كفاعل إقليمي.
ويعتبر مراقبون أن النظام الإيراني بات يجني ثمار التناقض في موقف الإدارة الأميركية وتراجعها عن دعم حلفائها في المنطقة، وخصوصا في ملف الحرب اليمنية التي بعثت الإدارة الأميركية الجديدة إشارات خاطئة حولها ساهمت في تشجيع الحوثيين على التصعيد في أعقاب شطبهم من قائمة المنظمات الإرهابية في وزارة الخارجية الأميركية.
وفضلت واشنطن الرد على التصعيد الإيراني ضد مصالحها في العراق عبر ضربة جوية في سوريا وليس في العراق ذاته أو اليمن الذي تسيطر على شماله إحدى أقوى أذرع طهران العسكرية في المنطقة، في تأكيد على غياب الإستراتيجية الأميركية في مواجهة التغول الإيراني الذي استفاد إلى حد كبير من محاولة واشنطن ابتزاز حلفائها في الملف اليمني، عبر قرار وقف دعمها لعمليات التحالف العربي وتجميد مبيعات الأسلحة الهجومية، إلى جانب فتح ملف الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وهي الأمور التي تسببت مجتمعة في خلق حالة من عدم الثقة بين الإدارة الأميركية وحلفائها التقليديين في المنطقة الذين كان يفترض أن تواجه بالشراكة معهم التحديات التي يفرضها التصعيد الإيراني.
وتسعى الميليشيات الحوثية في اليمن المدعومة من إيران لاستثمار حالة الارتباك الأميركية في تعزيز مكاسبها العسكرية على الأرض من خلال تكثيف هجماتها على محافظة مأرب اليمنية، في ظل شعور متنامٍ لدى الكثير من اليمنيين بوجود ضوء أخضر أميركي – أوروبي للحوثيين لاجتياح المحافظة قبيل أي مشاورات قادمة حول التسوية النهائية في الملف اليمني.
ويدلل اليمنيون للتأكيد على حقيقة شعورهم بوجود تواطؤ دولي وأممي، من خلال المقارنة بين الموقفين الأميركي والغربي في ملف الحديدة ووضع خطوط حمراء صارمة حالت دون انتصار وشيك لقوات المقاومة المشتركة المدعومة من التحالف العربي في الساحل الغربي، وبين الموقف الدولي والأممي من الهجوم الحوثي على محافظة مأرب.
وأعربت وزارة الخارجية اليمنية في بيان لها السبت عن استغرابها الشديد إزاء “الصمت من قبل المنظمات الإنسانية الدولية أو لبياناتها التي لا تحدد أي مسؤولية وكأن الفاعل مجهول، وهي تشاهد وتسمع ما يتعرض له ملايين المدنيين والنازحين من مخاطر نتيجة تلك الهجمات الحوثية التي لم تحترم القانون الدولي الإنساني، كما تستغرب من التدخلات الإنسانية الخجولة لهذه المنظمات في مأرب والتي لم ترتق إلى مستوى أدنى الاحتياجات الإنسانية”.
وأشارت الوزارة في بيانها إلى أن محافظة مأرب التي “أصبحت منذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014 المأوى لأكثر من مليوني نازح فروا من بطش وظلم الميليشيات الحوثية بحثا عن الأمان” تتعرض منذ مطلع شهر فبراير الماضي “لأكبر وأشرس هجمات حوثية استخدمت فيها الميليشيات كل أنواع الأسلحة الثقيلة بما فيها المدفعية والطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ الباليستية، وفي ليلة واحدة فقط، ليلة أمس (ليلة السبت – الأحد)، تعرضت المدينة لـ9 صواريخ باليستية”.
وتمثل مأرب واحدة من كبرى العقبات التي اعترضت طريق المشروع الحوثي منذ الانقلاب في سبتمبر 2014، حيث فشلت الميليشيات الحوثية في اجتياح مركز المحافظة والوصول إلى آبار النفط والغاز في المدينة، نتيجة لصمود القبائل المدافعة عنها، قبل أن يتدخل التحالف العربي مباشرة ويوسع دائرة المناطق المحررة في المحافظة ويدفع الحوثيين إلى أطراف منطقتي صرواح ونهم.
ويشير مراقبون يمنيون إلى أن السلوك الحوثي شهد طفرة جديدة من التصعيد منذ إعلان طهران عن وصول الضابط في الحرس الثوري الإيراني إلى صنعاء بصفته سفيرا لدى الحكومة الحوثية غير المعترف بها دوليا، حيث شهدت العمليات الحوثية من حيث النوع أو التوقيت تحولا يؤكد ارتباطها بالمصالح الإيرانية.