منع تقسيم اليمن تعد أحد أهم المخاطر المتصاعدة في اليمن وتجري بوتيرة متسارعة، الأمر لذي يحتم على الرياض بحسب مراقبين ضرورة تبني استراتيجية جديدة لمنع تقسيم اليمن وانفصال الجنوب وفرض رؤيتها على الدول الأخرى خاصة الإمارات التي يرجح مراقبون أنها مؤيدة لانفصال الجنوب وأحد أبرز داعميه، وفرض رؤيتها أيضا على القاهرة، فهناك تسريبات عن لقاء مرتقب، ربما سيعقد في القاهرة قريبا لمكونات جنوبية لمناقشة مشروع “المكون الجنوبي“.
يعد الحديث عن الانفصال خروج عن الموقف السعودي الداعم لوحدة اليمن، لما يترتب على الانفصال من نتائج كارثية على أمن الرياض واليمن معا، لهذا يدعو مراقبين السعودية لتعزيز ترتيباتها للوضع في اليمن، ليصل إلى مرحلة يجد فيها الانقلابيون أنفسهم معزولين في نطاق جغرافي ضيق، كقوة متمردة وتخضع لحصار شديد من قبل الحكومة الشرعية والتحالف، مع إبقاء الخطط جاهزة للانقضاض عليهم في اللحظة المناسبة.
“الكيان الجنوبي” ماذا يعد لانفصال الجنوب
في مؤشر على الاتجاه لفصل الجنوب عن الشمال كثّف حاكم مدينة عدن جنوبي اليمن، اللواء عيدروس الزبيدي، خلال الشهر الجاري، من تحركاته واتصالاته، عقب دعوته لتأسيس مجلس سياسي جنوبي في المحافظات الجنوبية على غرار المجلس السياسي، الذي شكله الحوثيون وحليفهم علي عبدالله صالح في صنعاء الشهر الماضي.
ومنح الزبيدي الذي يقضي فترة نقاهة سياسية بالعاصمة الإماراتية؛ هذا المكون السياسي الجديد، بعدا مذهبيا، قبل أن يسحب لفظ السنة من بيان المجلس الذي أعلن عنه في 10 من أيلول/ سبتمبر الجاري، فيما عادت قضية الجنوب لتطرح مجدّدا من قبل قادة الحراك الجنوبي من ذوي النزعة الانفصالية، عبر مبادرة الزبيدي التي لاقت ترحيب مكونات ثورية وسياسية جنوبية، لاسيما الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض، أحد أبرز القادة الداعين لانفصال الجنوب عن الشمال.
من عدن إلى أبو ظبي
الزبيدي صاحب فكرة “المجلس السياسي الجنوبي”، غادر عدن بالتزامن مع عودة رئيس الحكومة الشرعية إلى المدينة مساء الخميس، إلى “أبوظبي” التي احتضنت قبل أكثر من أسبوع، لقاءات لقيادات جنوبية تاريخية بشأن “الكيان الجنوبي”. بحسب معلومات حصلت عليها”عربي21″.ويعد من أبرز الشخصيات “علي سالم البيض، الرئيس الجنوبي السابق، وسلفه الأسبق علي ناصر محمد، ورئيس الوزراء الأسبق، حيدر أبوبكر العطاس ورئيس حزب الرابطة عبدالرحمن الجفري.
الكيان الجنوبي بدعم الإمارات
بدوره قال مصدر جنوبي مطلع، إن فكرة “الكيان الجنوبي” ربما أتت من الخليج وخصوصا الإمارات التي تقدم دعما كبيرا لهذه الخطوة، غير أنها تأتي في سياق ترتيب البيت اليمني لفترة ما بعد انتهاء الحرب الجارية.وأضاف إن دعاة الانفصال وفك الارتباط عن الشمال، تلقفوا دعوة “محافظ عدن” بعدم ارتياح، لأن هدفهم واضح ولا رجعة عنه وهو “العودة الفورية لحدود ما قبل 22 آيار/ مايو 1990 (تاريخ الوحدة بين الشمال والجنوب، ولكن كانت الضغوط الخليجية عليهم قوية، ولذلك لم يمتلكوا الجرأة لتبني موقف معاد لدعوة الزبيدي.
وكشف المصدر اليمني الجنوبي عن لقاء مرتقب، ربما سيعقد في القاهرة قريبا لمكونات جنوبية لمناقشة مشروع “المكون الجنوبي”.أما علي سالم البيض “عرابّ مشروع انفصال الجنوب عن الشمال” قد أعلن في بيان أعقب دعوة “الزبيدي” تأييده ومباركته لدعوة تشكيل كيان جنوبي سياسي، مؤكدا أنه سيدعمها “بكل ما يمكن“.
خروج عن الموقف السعودي
هذه التوجهات تقابل بانتقادات من داخل محافظات الجنوب ومن قبل ساسة بارزين، يرون أن ما يطرحه دعاة “فك الارتباط وإنهاء الوحدة” مجرّد أفكار غير قابلة للتحقيق، وجزءا من البروباغاندا التي يمارسونها لتغطية فشلهم في إدارة المدن المحررة من الحوثيين، كما تأتي في سياق صراعهم على السلطة في عدن، ضدّ شركاء يشكّكون في شرعيتهم (أي حكومة الرئيس هادي) ويعتبرون هذه الحرب فرصة لتحقيق مشروع الانفصال.
من جهته يقول رئيس الحراك الوطني الجنوبي، حسين اليافعي، إن المجلس الذي دعا إليه محافظ عدن، عيدروس الزبيدي عبارة عن “محاولة لإنشاء كيان منفصل يجد اعترافا دوليا، وينقلب على المبادرة الخليجية التي جاء في بنودها الالتزام بـ”الحفاظ على الوحدة اليمنية“.
وأضاف “اليافعي” في تصريحات صحفية قائلا إن هذا الكيان يسعى “للخروج عن الموقف السعودي بالدرجة الأولى الذي يشدد على وحدة البلد، في الوقت الذي يشكل تهديدا على الرياض كونه ينسف أهداف عملية”عاصفة الحزم” الباعثة على استقرار المنطقة وحماية الأمن القومي الخليجي، وتشكيل حائط صد أمام إيقاف المد الإيراني، عبر تحويلها الجنوب إلى بؤرة صراع مناطقي وأهلي، المستفيد الوحيد منه طهران“.
السعودية وقرارات استراتيجية
في إطار تحليله لما يجب أن تفعله الرياض رصد الكاتب اليمني ياسين التميمي وجود عوامل تتعرض لها السعودية هي التي حرَّكتْ المياه الراكدة على الساحة اليمنية، وسمحت بالقرارات الاستراتيجية التي اتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وقضت بإقالة مجلس محافظي البنك المركزي اليمني، وتعيين مجلس محافظين جديد، وقضت أيضاً – وهذا هو الأهم – بنقل مقر البنك من صنعاء إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، وتزامن ذلك أيضاً مع عودة نهائية للحكومة، وقد تتبعها عودة قريبة للرئيس هادي نفسه.
وأضاف التميمي في مقال بعنوان “دوافع تحول الموقف السعودي تجاه اليمن” بعربي 21 في 25/9/20116 أنه لا شك أن التغير في الموقف الدولي جاء ثمرة للضغوط التي مارستها المملكة، لأن ما هو معلوم من الموقف الدولي الذي يبدو متماسكاً إلى حد ما تجاه اليمن، أنه في الوقت الذي يُظهر دعمه للسلطة الشرعية، فإنه كان يعمل جاهداً على عدم عودتها إلى الداخل لممارسة صلاحياتها، ويدرجها ضمن الأعمال الاستفزازية، أي كما لو كانت تصرفات أحادية الجانب مثلها مثل التصرفات والقرارات التي يقدم عليها أو يتخذها الإنقلابيون في صنعاء، بل أن الحساسية تجاه سلوك السلطة الشرعية كانت عالية أكثر منها تجاه الانقلابيين.
السعودية وإعادة ترتيب الوضع في اليمن؟
لهذا بات من الضروري برأي التميمي أن تواصل السعودية تعزيز ترتيباتها للوضع في اليمن، ليصل إلى مرحلة يجد فيها الانقلابيون أنفسهم معزولين في نطاق جغرافي ضيق، كقوة متمردة وتخضع لحصار شديد من قبل الحكومة الشرعية والتحالف، مع إبقاء الخطط جاهزة للانقضاض عليهم في اللحظة المناسبة.
وحذر التميمي من أنه لم يعد هناك المزيد من الوقت ليضيع قبل استعادة محافظات تعز والحديدة وكامل الساحل التهامي، ومحافظة إب والبيضاء، والإسراع في تنظيم انتخابات نقل السلطة في المناطق المحررة، بعد أن تكون السلطة الشرعية قد أحكمت سيطرتها وهيأت الظروف الميدانية اللازمة لإنجاز هذا الاستحقاق.
ضد مخطط الانقلابيين
لافتا إلى أن الانقلابيون بدأوا ترتيباتهم بشأن الانفصال السياسي والاقتصادي عن سلطة الدولة وحكومتها الشرعية، وهذا يعني أنهم جادون في تأسيس سلطة أمر واقع موازية في المناطق التي يسيطرون عليها، إذ لا نية لهذه العصابة الطائفية الفئوية والجهوية في التخلي عن المكاسب التي حصلت عليها، لأن لها أجندة مختلفة تماماً، فهي إذ تضع يدها على مقدرات الدولة وعلى جزء جغرافي يشمل نحو (10) محافظات، فإنه لا يهمها الوحدة اليمنية ولا عودة الاستقرار، لأن إبقاءها على هذا الوضع يمثل إستراتيجية مدعومة من إيران وتهدف إلى استعادة ما تزعم أنه حقها الإلهي والذي كانت هذه الفئة السلالية نفسها قد فقدته في 26 أيلول/ سبتمبر 1962.
ماذا على السعودية أن تفعل؟
ينبه التميمي إلى أنه سيتعين على السعودية بالتنسيق مع الإمارات، أن تعمل على تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، وبالأخص مدينة عدن، لتتحول إلى عاصمة حقيقية لليمنيين، والأمر هناك لا يحتاج إلى معجزة، حتى فيما يتعلق بالعذر الذي جرى تسويقه واستثماره، ويتعلق باستمرار نشاط العناصر المتطرفة، لأن التهديد كان في الغالب موجهاً ومدفوع الأجر، سواء تم من قبل العناصر المتطرفة أو من قبل العناصر المنفلتة المحسوبة على الحراك الانفصالي.
يحتاج التحالف فقط إلى إعادة تنظيم النشاط السياسي في الجنوب وجعله أكثر اتساقاً مع ترتيبات تثبيت وتمكين السلطة الشرعية الاتحادية بكل مؤسساتها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية، ويحتاج على نحو عاجل إلى دعم الحكومة في إطلاق حملة واسعة لتأهيل العاصمة المؤقتة، وإنهاء كل مظاهر الانفلات والفوضى وإعادة فرض الهوية الوطنية اليمنية على التشكيلات المسلحة التي تم إنشاؤها في عدن والمحافظات المحررة وحملت اسم “قوات الحزام الأمني”. بحسب التميمي.
وخلص إلى أنه ليس هناك ما هو أكثر ضماناً لاستقرار تنعم به المملكة العربية السعودية ودول الجزيرة والخليج، من استقرار اليمن، وتحويله إلى ظهير حقيقي وجزء عضوي فعال في منظومة مجلس التعاون الخليجي.
مخاطر انفصال الجنوب والتقسيم
في إطار رصد تداعيات توجهات الانفصال حذر المحلل السياسي الكويتي الدكتور سامي الرميحي من أنه في حالة تم اعلان انفصال جنوب اليمن عن شماله كما يروج له البعض من القيادات اليمنية الجنوبية، في هذه المرحلة الصعبة، فإن هناك عوامل عدة سوف تفرض نفسها وبقوة على أرض الواقع وهي على النحو التالي، الإنفصال يعني:انتهاء عمليات التحالف العسكرية الجوية والبرية والبحرية – نتيجة عدم تطبيق قرار مجلس الامن رقم 2216 . وفشل دول التحالف بقيادة السعودية في تنفيذ هذا القرار، وانتهاء الدولة الشرعية بقيادة الرئيس هادي وحكومته وبالتالي انتهاء المشاورات السياسية.
حروب أهلية طاحنة
وحذر “الرميحي” من أن الإنفصال سوف يخدم بالدرجة الاولى تحالف صالح والحوثي، الإنفصال سوف يؤدي الى حالة عدم استقرار وحروب طاحنة هنا وهناك ستشمل كل مناطق اليمن، الإنفصال بداية انهيار دول التحالف بقيادة السعودية الامر الذي سوف يؤدي الى تغيير الخارطة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي، وسيطرة إيران على المنطقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا.. بل وستكون ايران هي الدولة الاقوى والمهيمنة، ومعناه انتهاء مفعول كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالعقوبات على زعماء الانقلاب، الأمر الذي سوف يتيح لزعماء الانقلاب تصدرهم المشهد السياسي من أوسع ابوابه، وفي حالة إعلان الانفصال دول التحالف بقيادة السعودية ستكون مطالبة من قبل الشعب اليمني والعالم وعبر الهيئات والمحاكم الدولية بدفع عن ما تم تدميره خلال فترة الحرب بسبب فشلها الذريع في ادارة هذه الحرب، وبحجة ارتكابها جرائم حرب.