أكد سعادة اللواء الركن سند علي النعيمي، أنّ مشاركة قطر في «عاصفة الحزم» تبعث رسالة إلى الجميع، مفادها أنّ أمن دول الخليج لا يمكن العبث به، لأنه كل لا يتجزأ، مؤكداً في الوقت ذاته أن قطر من أهم وأنشط دول المنطقة، خاصة بعد ما حققته من منجزات تنموية وحضارية، مشيراً إلى أن قطر ليست دولة شعارات، ولم تكتفِ بالدور الدبلوماسي فقط، بل بالعمل على الأرض مع الشعوب، وهو ما كلفها أموالا طائلة وجهودا ضخمة.
جاء ذلك خلال افتتاح منتدى الدوحة للسياسات الاستراتيجية الذي ينظمه مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة القطرية، يومي 27- 28 أكتوبر الجاري، بعنوان «قضايا الشرق الأوسط بين السياسات الإقليمية والدولية- التأثر والمؤثر».
وأكد أن المؤتمر يتزامن توقيت انعقاده مع حالة من عدم الاستقرار في المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط والذي يشهد تطورات عديدة منها التدخل الروسي المباشر في الصراع الدائر في سوريا وما أحدثه من تعقيد في الأزمة السورية بمستوياتها المختلفة، وكذلك العمليات التي تقوم بها دول التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، وانعكاسات الوضع في اليمن على مستقبل الخريطة العربي والتوازنات الاستراتيجية، كما يتزامن توقيت انعقاد المؤتمر مع حالة الشك التي باتت تتعزز يوما بعد يوم حيال جدية المجتمع الدولي في إيجاد حلول ووسائل آمنة لإنهاء الحروب الدائرة بين الفصائل المختلفة في بعض الدول، حيث تجد شعوب المنطقة العربية خارج دائرة الأمان التي توفرها مواثيق الأمم المتحدة للمدنيين في أوقات السلام، بينما تتمتع دول أخرى بحصانة من العقاب لا حدود لها كدولة إسرائيل، وإن ضبابية المشهد العام في الشرق الأوسط تسببت فيها التدخلات الخارجية بالمنطقة لأسباب ودوافع مختلفة، وهذه التدخلات ساهمت في خلخلة التوازنات الاجتماعية والسياسية التي ظلت مستقرة لقرون مضت مما أحدث انهيارا كاملا وبقيت دول أخرى على شفا الانهيار ويبدو أن أحدا لم يستوعب الدرس بعد، فلا تزال نفس السياسات قائمة تحت شعارات مختلفة أبرزها شعار الحرب على الإرهاب الذي بات مطية يمتطيه كل من له أجندة خارجية أو أهداف خفية وهناك دول تستخدمه ستارا تحت تهديد شرعيتها ودول أخرى تستخدمه لخلق وجود لها في مناطق مختلفة ولحماية مصالحها دون أي اعتبار، ولذلك فإن الدول المعنية بمحاربة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط ليست لديها الجدية الكافية والنية الكافية للتصدي للجماعات التي تهدد السلم والاستقرار، وإلا فكيف نفهم هذا التوسع والتمدد المتصاعد لتنظيم الدولة ليس فقط في سوريا والعراق، وإنما في أماكن أخرى تمتد من آسيا والوسطى وحتى منطقة الساحل والصحراء في إفريقيا.
إن أكثر من ثلث أعضاء الأمم المتحدة بما فيها القوى العظمى تقوم بعمليات عسكرية ضد هذا التنظيم سواء بشكل منفرد أو في إطار تحالف ومع ذلك فالنتيجة هي مزيد من التمدد في مزيد من الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم بما عليها من بشر وما بها من خيرات وثروات وهذا يطرح علامة استفهام كبيرة يجب أن نتوقف عندها بالتحليل والبحث الموضوعي.
إن الشرق الأوسط ليس دائرة مغلقة وإنما يقع ضمن دوائر أخرى تتقاطع مع بعضها بعضا بحكم تداخل المصالح والتهديدات المشتركة فالدائرة الآسيوية ليست بعيدة عن قضايا الوطن، وهو ما أكدته زيارات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله لعدد من دول آسيا خلال هذا العام، وما نتج عن هذه الزيارات من اتفاقيات وشراكات عمل ومن تفاهمات سياسية على بعض القضايا المشتركة سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في منطقة شرق آسيا، فدول آسيا والباسيفك تمثل قوة اقتصادية صاعدة وهي دول مهمة من الناحية الاستراتيجية خاصة على مستوى التوازن الدولي، كما أن لديها خبرات وإمكانيات يمكن أن تساهم بها في حل بعض الصراعات المشتعلة في المنطقة وفي تقديم حلول فعالة لمشاكل التنمية والحكم الرشيد التي كانت ضمن أسباب مشروع التمرد وحمل السلاح من جانب البعض على الدولة، كما أن الدائرة الأوروبية حاضرة في قضايا الشرق الأوسط، كما تابعنا في قضية اللاجئين السوريين ووصولهم إلى حدود أوروبا في أسوأ كارثة نزوح جماعي في مناطق الصراع في القرن الحالي، وكذلك قضية المقاتلين الأجانب من أوروبا ومسألة إمكانية عودتهم لبلدانهم مرة أخرى وتأثير ذلك على أمن مجتمعاتهم.
إننا نسعى من خلال هذا المؤتمر إلى التوصل إلى صيغة حلول على المستوى الأمني والعسكري وذلك في صورة توصيات ورؤى استشرافية لصناع القرار.
إن صناع الساسة عليهم أن يغيروا من قناعاتهم المسبقة عن دول الخليج العربي والعرب والمسلمين بشكل عام حيث لم يعد مقبولا إبعاد دول المنطقة عن قضاياها والتصرف في شؤونها وتحديد مصائرها وكأننا قطع من الشطرنج في لعبة السياسة الدولية بين القوى العظمى، فالمنطقة بها دول حاضرة ومؤثرة وهي الأقدر على تولي زمام أمورها وحل مشاكلها، وهذا ما أكد عليه مرارا سمو الأمير المفدى، فقطر واحدة من أهم وأنشط دول المنطقة ولا يمكن لأحد أن يتجاهلها خاصة بعدما حققته خلال عقدين فقط من الزمان من معجزة حضارية واقتصادية، ومن دور نشط وفعال على المستوى الدولي ومن مواقف ثابتة وواضحة تقوم على المبادئ والأخلاق وليس على المصالح المجردة من أي اعتبارات إنسانية، ولذلك اعتبر البعض أن مواقف دولة قطر خروج على المألوف، واعتبره آخرون سباحة ضد التيار، وهناك من شكك في النوايا وألقى بالتهم جزافا دون دليل، كل ذلك من أجل تثبيط الهمم وبث الفرقة ونشر ثقافة الإحباط والركون والاستكانة والقبول بالأوضاع القائمة كما هي وكما تأسست منذ قرون وعقود لتحقق مصالح بعض الدول الكبرى وبعض القوى الإقليمية المتحالفة معها، ولتحقق في الوقت ذاته مصالح فئة قليلة انتفعت من هذه الأوضاع لعقود وتركت شعوبها تعاني الظلم والجوع والتهميش بكل صفاته.
إن قطر ليست دولة شعارات بل هي دولة تقول ما تفعل وتفعل ما تقول، وهي في سبيل هذا لم تكتف بالدور الدبلوماسي فقط من خلال الوساطات لكنها استخدمت إمكانياتها حيثما أمكن في مساعدة ونصرة الشعوب المظلومة وتقديم العون لها دون انتظار رد أو الثمن، بينما يكلفها ذلك أموالا طائلة تعجز عنها دول كبيرة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
إن من يرغب في إحلال الأمن والاستقرار في أي بقعة من العالم يجب أن تتطابق أقواله مع أفعاله، ومن يسعى جاهدا لحل الخلافات بين الأطراف المتنازعة يجب أن يضحي من أجل تحقيق ذلك دون النظر إلى مصلحة شخصية، لذلك لما سعت قطر في حل النزاع في ليبيا كانت تأمل في نهاية المطاف أن تكون ليبيا دولة مستقرة موحدة آمنة، وأن ما حدث في مملكة البحرين الشقيقة ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية من عمليات إرهابية بدوافع خارجية وأهداف خبيثة فشعوب المنطقة لا يمكن أن تشق عصا الطاعة على ولاة الأمر، وذلك لما يقدم لهم من أسباب الرفاهية والعيش الكريم الذي يفتقده كثير من شعوب العالم، ومشاركة قطر في عاصفة الحزم بجانب أشقائها من دول الخليج تبعث برسالة للجميع بأن لا مجال للعبث في أمن الخليج، وأن أمن دوله كل لا يتجزأ، فالشعب واحد والدين واحد والتاريخ واحد والتهديدات متماثلة والمصير مشترك.