منذ اللحظات الأولى التي أعلن فيها قيام الثورة الإيرانية أصبحت طهران مهووسة وقيادتها الثورية مجازا بالتخريب والقتل وزعزعة الأمن في المنطقة العربية، بعد أن نجحت وفق هذه السياسة في تزييف الحقائق وتحويرها بما يتوافق والأهداف المراد تحقيقها، ممن اعتلى سدة الحكم في إيران.
هذه الفلسفة الثورية، بعيدا عن الغوص في التاريخ والأحداث التي سبقت عودة الخميني للعاصمة طهران، وإعلانه تعيين رئيس للدخول في حرب مع المعارضين له وقتل كثير من جنرالات الجيش، هي أجندة تحتاج إلى من ينفذها على الأرض كما هو معد لها سلفا ومخطط من يصنفون أنفسهم بأنهم ثوريون يدعمون المستضعفين، بالتفجير في مكة، وسفك دماء المسلمين، وإرسال الأسلحة إلى أتباعها في دول الخليج.
وكانت إيران تعرف جيدا آلية تنفيذ هذه المهام من خلال أبناء الدول المراد المساس بها، ونجحت في ذلك باستخدام أيدٍ محلية صرفة، أو كما يصنفها السياسيون «أذناب»، وهي جماعات وميليشيات تشكلت بعد قيام الثورة الإيرانية، بسنوات وكان لها دور بارز في تلك المرحلة وتحديدا في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، في استقطاب وتجنيد المدنيين من الشيعة، في بعض دول الخليج، ولبنان، واليمن، والعراق.
هذا كان في المرحلة الأولى، وبعد أن تقوت هذه الميليشيات والأحزاب، بدأت في تنفيذ ما تؤمر به، بعد أن قدمت لها إيران الدعم المالي والعسكري واللوجيستي، الذي يمكنها من القيام بأعمال عسكرية مباشرة ضد حكومات بلدانهم، وهو ما حدث في الحالة اليمنية، فبعد الفشل في ثلاث محاولات سابقة لما يعرف بـ«أنصار الله» أو الحوثيين، في زعزعة الأمن في اليمن والاستيلاء على الحكم، غيرت إيران خططها في زعزعة اليمن، إذ لم تكتفِ بالدعم المالي والعتاد، فأرسلت مع قيام الثورة الشبابية الخبراء العسكريين، وأصدرت أوامرها لـ«حزب الله» بدفع قيادات عسكرية لتدريب اتباع الحوثيين بشكل سري وفي مواقع تحددها الميليشيا على الأراضي اليمنية.
يقول اللواء الركن الدكتور ناصر الطاهري، نائب رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة اليمنية، لـ«الشرق الأوسط» إنه ومنذ اللحظات الأولى وقبل عملية الانقلاب كانت هناك أدلة على تورط إيران في دعم الانقلابين على الشرعية، إضافة إلى ما يسمى بـ«حزب الله» الذين ضبطوا على الأراضي اليمنية وهم يقاتلون أو يقومون بعمليات استخباراتية وعسكرية لخدمة المصالح الإيرانية.
وأشار اللواء الطاهري إلى أن الدور الذي لعبته طهران وحزب الله في اليمن دور مهم ومحوري عسكريا في إطالة أمد الحرب، خصوصا بعد أن نجحت في تدريب كثير من الأفراد على المواجهات المباشرة وتصنيع المتفجرات، ومحاولتها إعادة تطوير بعض الصواريخ التي كانت بحوزة الجيش قبل عملية الانقلاب، وانضمام الحرس الجمهوري إلى هذا الانقلاب.
ولفت نائب رئيس هيئة الأركان إلى أنه قبل انطلاق «عاصفة الحزم» ساد الذعر والانهزام في عموم البلاد، وتغلغل بين القيادات العسكرية التي كانت رافضة للانقلاب، ولا تستطيع التحرك بحكم ما فرضته الميليشيا من قوة على الأرض، إلا أن هذه القوة سرعان ما انخفضت وتراجعت، بشكل كبير وملحوظ، ساعد في تحرير كثير من المدن اليمنية التي كانت تحت قبضة الحوثيين، لنصل بعد مرور عام كامل على «عاصفة الحزم» إلى تحرير معظم الأراضي وقريبا تحرير صنعاء.
وبالعودة إلى الفلسفة الإيرانية، وتطبيقها في الأراضي العربية، كانت الفرصة مهيأة للانقضاض على السلطة، مع انطلاق الثورة الشبابية ضد الرئيس المخلوع علي صالح، الذي وجد نفسه بعد مرور ما يزيد على 30 عاما خارج المشهد اليمني، الأمر الذي دفعه إلى الدخول في تحالف مع ميليشيا الحوثيين الذي قدم له المال القادم من طهران، وقبل ذلك الوعود بأن يكون موجودا في المرحلة التي تعقب إسقاط الحكومة المنتخبة.
في هذه الأثناء سارعت، وفقا لما تم الكشف عنه لاحقا بعد أن عادت الحكومة الشرعية إلى سدة الحكم، بإرسال كميات كبيرة من الأسلحة والخبراء لتدريب أتباع الحوثيين على استخدام الأسلحة الثقيلة، وفي تلك الفترة وتحديدا في عام 2011 كان اليمن والمنطقة العربية عموما تعيش مرحلة حرجة من الصراعات الداخلية والتدخلات، ولعل ذلك سهل لقادة طهران إرسال ما يمكن إرساله قبل انطلاق «عاصفة الحزم» التي حدت من التدخل وفرضت حصار بحريا على السفن المتجهة للموانئ اليمنية، كما تبين بحسب التحقيقات التي أجريت من قبل الحكومة اليمنية أن «حزب الله» استغل هذه الظروف وبدأ يتوافد من القرن الأفريقي ومن ثم إلى قلب صنعاء، كما أن هذا الحزب لم يصنف في تلك الفترة من الدول العربية كمنظمة إرهابية.
وقبل وصول هؤلاء الخبراء من لبنان، وإيران، وفرت ميليشيا الحوثيين بعد أن تسلمت أموالا طائلة من طهران لم يفصح عنها، إلا أن مصادر عسكرية أكدت أنها تلقت في تلك الفترة ما يزيد على مليار دولار، المكان الآمن بعد أن شرعت في شراء مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات في كل المدن وتحديدا إقليم تهامة، نقطة الانطلاق ومنفذ الجماعة الرئيسي على البحر الأحمر، مع ضرورة دمج أفراد الميليشيا وتوطينهم في الإقليم بشكل كبير، تمهيدا للسيطرة على القوة الاقتصادية ومن ثم العسكرية في وقت لاحق بحسب الخطة التي تلقتها الجماعة.
تلك المواقع وفرت المكان الآمن لتدريب أتباع الميليشيا على الأعمال العسكرية، وتصنيع المتفجرات، وإخفاء السلاح في مستودعات ومساكن، تمهيدا للعملية الكبرى في مطلع 2015 وفق ما خطط له، وهو ما أكده مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط»، أن آلية التدريب انطلقت قبل الانقلاب على الشرعية بنحو عام كامل، وهي فترة كافية لتدريب ألوية عسكرية في الجيوش التقليدية، إضافة إلى أن التدريب الذي قامت به قيادات من حزب الله وطهران، اعتمد على ضرب الأهداف الحيوية في الداخل والخارج للدول المجاورة، وذلك بهدف زعزعة المنطقة.
وأضاف المصدر أن التدريب لم يخلُ من قيادة الطائرات الحربية، التي كان من الصعب الاستفادة منها، بعد أن نجحت قوات التحالف العربي في تدمير هذه القوة قبل استخدامها، الأمر الذي أسهم وبشكل كبير في تراجع القوة على الأرض، كما أن الميليشيا اعتمدت على ما لديها من قدرات عسكرية وفرتها في وقت سابق العاصمة الإيرانية طهران، إلا أن هذه القوة تراجعت من انتشار الجيش الوطني على الأراضي اليمنية.
وقبل 26 مارس (آذار) وانتشار الجيش الوطني في وقت لاحق لم تكن هناك معلومات رسمية أو دقيقة حول نوع وآلية التدخل الإيراني وحزب الله في الشأن اليمني، بحكم انهيار مؤسسات الدولة وفرار كثير من القيادات الموالية للشرعية، إلا أنها بدأت تظهر إما عبر مقاطع فيديو صورت في مواقع التدريب، وإما ضبط أعداد من هؤلاء الخبراء قبل فرارهم من المدن التي حررها الجيش الوطني واعترافهم وفق محاضر التحقيق.
ومن أبرز اعترافات الخبراء وغالبيتهم من الجنسية الإيرانية، بحسب مسؤول يمني، قيامهم بأعمال مخلة بالأمن العام للبلاد واستهدافهم لدول الجوار وتحديدا السعودية، واشتراكهم في وضع خطط واستراتيجيات لميليشيا الحوثيين، إضافة إلى جلب السلاح الذي سيستخدم في تنفيذ الأهداف العسكرية واستهداف الشخصيات السياسية.
وجاء هذا التحرك بعد أن فرض الجيش سيطرته على الشق الجنوبي من البلاد، على خلفية معلومات حصل عليها في أواخر مارس من العام الماضي 2015 بوجود عناصر من حزب الله تقوم بتدريب قيادات ميليشيا الحوثيين، وكانت هذه مجرد معلومات اعتمد عليها الجيش لمتابعة تحرك هؤلاء الخبراء، كما تم الكشف في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي 2015 عن تورط قيادات لبنانية منتمية إلى حزب الله وأخرى إيرانية في تهريب كميات من الأسلحة قادمة من إيران عبر السواحل الشرقية والغربية لليمن، التي جرى الكشف عنها من خلال عملية استخباراتية نفذها أفراد من المقاومة الشعبية والجيش الوطني.
ويرى خبراء عسكريون أنه بمجرد الانتهاء من عملية التحرير وسقوط آخر معاقل الحوثيين ستكشف الكثير من الحقائق والأدلة عن حجم الأعمال الإرهابية التي كانت الميليشيا الحوثية تنوي القيام بها بدعم أفراد «حزب الله» والخبراء الإيرانيين، وأن هذه الأعمال تستهدف دول الجوار، وشخصيات سياسية وعسكرية، وأنها وفق ما كشف عنه في الوقت الراهن استهداف المصالح السعودية وتدمير اليمن.
وكان وزير الرياضة والشباب اليمني نايف البكري أكد لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن هناك كثيرا من المعلومات التي أقر بها ضباط معتقلون من الحرس الجمهوري عن عمق التعاون مع الجمهورية الإيرانية، وهناك أدلة تثبت مدى هذا التورط في نشر كثير من أجهزة الاتصالات اللاسلكية الإيرانية بين أفراد الميليشيا وقيادتها، والدعم المالي والعسكري الذي تلقاه الميليشيا، إضافة إلى وجود مجموعة من الخبراء الإيرانيين في بعض المناطق حيث قاموا بدعم الميليشيا في أوقات سابقة قبل انهيار الحوثيين في الآونة الأخيرة، وهذه المعلومات وما يجري رصده من القيادات الميدانية تتعامل معه الحكومة بكل احترافية، وستكون الأيام المقبلة حبلى بكثير من المفاجآت.
أزمة اليمن تكشف أذرع إيران بقيادة «حزب الله» في إدخال المنطقة في نفق الحروب
No more posts
No more posts